البارحة، أضفت طلباً في قسم (طلبات الخدمات غير الموجودة) لتدقيق نص أكاديمي، فتتالت العروض. وهنا يأتي بيت القصيد بطرح بضعة أسئلة مهمة تسلط الضوء على كيفية جذب فئة من العملاء على أقل تقدير.

السؤال الأول: بناء على ماذا قيّمت العروض؟

1- حسن الصياغة اللغوية:

بمجرد أن أرى مثلاً 10 أخطاء إملائية بسيطة في نص العرض، لا أذهب إلى صفحة البائع أساساً. من هذه الأخطاء أعرف أنني لن أحصل على الجودة المطلوبة حين أريد عملاً يتعلق بالكتابة أو التدقيق أو الترجمة.

2- لباقة العرض من حيث الترحيب ونقاط الجذب:

أعجبت بعدة عروض طُرحت اليوم صراحة، من بينها:

أ- عرض مختصر، لكن الزميلة أخبرتني أنها تود الاطلاع على الملف، ولن تستلمه إلا إذا وثقت أنها أهل له. نادتني باسمي الأول أيضاً، وهذا من أساسيات التواصل بنظري، وبنظر أناس كثيرين على كوكب الأرض الذي يقع ضمن نطاق درب التبانة.

ب- عروض أخرى امتازت بتعبيرات لطيفة جعلتني أرغب بشراء الخدمة من أصحابها. لكن الدقة اللغوية الفائقة والتخصص المناسب كانا أمراً حاسماً في اختياري للشخص المنشود هذه المرة تحديداً (في مناسبات عدة اخترت شخصاً أقل احترافية من شخص آخر لأن تواصله أفضل ويمتاز بلطف الكلام). وكما أخبرتكم إن وجدت أخطاء كثيرة في العرض أصرف النظر رغم أن صاحب العرض قد يبهرني بحسن تواصله ولطفه.

وقد أدخل صفحة أحدهم فيخيب ظني بعد رؤية أخطاء إملائية في النبذة الشخصية، ووصوف الخدمات. والأصعب من الناحية النفسية والمادية هو رؤية أخطاء لغوية في عناوين الخدمات، مثل: (ترجمه «أين التاء المربوطة؟!»، او «أين الهمزة؟!»، إختيار «لماذا تضع الهمزة؟!، علي الشجرة (لماذا الياء؟!)». يمكن بالطبع تجاوز بعض الأخطاء، فحتى أكبر كاتب ومدقق لغوي يخطئ. لكن وجود أخطاء لغوية متكررة ضمن ملف البائع وخدماته لا يحتمل المجازفة صراحة!

السؤال الثاني: ما مواصفات العروض غير المشجعة؟

أ) عرض مقتضب وجاف ليس فيه لطف في التعبير:

لا أميل عادة للعروض المختصرة بكافة الأحوال. لكن الاختصار مع اللباقة يجعلني أتجاوز القاعدة، كما حدث عندما رأيت عرض زميلة أثار انتباهي رغم قصره (يفضّل عموماً إطالة العرض قليلاً).

ب) عرض لا يتضمن ترحيباً بالاسم الأول قصُر أم طال:

مناداة الآخر باسمه الأول يا جماعة أمر يجب أن تعتادوه في حياتكم الواقعية والافتراضية كأمر روتيني. هو من أبسط أساسيات التواصل في علم النفس وفن التسويق الناجح. ليس معنى هذا أنك ملزم بمناداة العميل باسمه الأول كل دقيقتين، لكن يفترض أن تفعل ذلك لمرة واحدة على الأقل في ثلاثة مواضع: داخل العرض، وعند التواصل الأولي، وعند تسليم العمل.

ج) عدم الصدق في عرض الكفاءات والخبرات:

حين تخبرني أنك أستاذ لغة عربية، واستطعت بفضل خبرتك الخارقة تعليم الفضائيين القراءة والكتابة باللغة العربية الفصحى! ثم أدخل ملفك لأجده مليئاً بالأخطاء الإملائية المرعبة؛ سأعرف فوراً أن الادعاء غير صحيح. نفس الشيء ينطبق على أي مجال آخر. فكن صادقاً حتى تكسب العملاء، وتحافظ على سمعتك؛ فسمعتك هي كل شيء في الحياة والعمل.

د) العروض التي تقتصر على عبارات تشبه الأوامر، مثل: (تواصل معي، راسلني):

خير الأمور الوسط؛ لا عرض مطوّل ولا عرض مقتضب، مع الابتعاد عن صيغة الأمر كما في المثالين أعلاه. يمكنك أن تقول مثلاً: (يسعدني تواصلك، أتطلع إلى تواصلك لمناقشة احتياجاتك، أتشرف بتواصلك... وهلم جرّاً)، دون أن يقتصر عرضك على مثل هذه العبارات فقط، بل يشمل سرداً لمعلومات ومزايا تجذب العميل للتواصل معك فعلاً.

السؤال الثالث: كيف اخترت الشخص المناسب؟ وهل اختيارك كان نهائياً؟

قبل سرد الأسباب، دعني أخبرك أن أي عميل يمكن أن يختار بائعاً معيناً لا لأن عرضه مثالي حسب معايير العميل (100%) دائماً؛ بل لأن عرضه قد ينطوي على نقاط قوة جاذبة تضرب الوتر الحساس. فمن يريد مدققاً لغوياً ولغته ممتازة، سيجذبه عرض يمتاز بمتانة اللغة وفصاحتها غالباً. ومن يريد كاتباً إبداعياً فسيجذبه العرض الحيوي الذي يمتاز بأناقة الكلمات.

كيف اخترتُ الشخص المناسب؟

1) عرض متين وسليم من الناحية اللغوية (ولا غلطة).

2) تركيز البائع على ذكر نقاط تتعلق باختصاصه الذي كان مناسباً للطلب (لا أختار دوماً أصحاب الدراسات العليا).

3) راجعت صفحة الزميل العزيز فوجدت عناوين خدماته، ووصوفها، ونبذته الشخصية خالية من أي أخطاء حساسة.

4) كنت أريد استلام العمل خلال وقت وجيز، لذا نظرت فوراً إلى خانة (متوسط سرعة الرد)، فكان الأمر مشجعاً (سريع!).

5) تواصلت مع البائع ليطلع على النص، فكان تجاوبه سريعاً وخاطبني بلباقة (بالاسم)، وكان متعاوناً حين طرحت أسئلتي.

6) من أسلوب تواصله تبيّن أنه يتقن اللغة العربية. تتفاجأ أحياناً أن بعض الباعة تكاد تخلو صفحاتهم من الأخطاء اللغوية، لكن حين تراسلهم تتطاير الأخطاء هنا وهناك لتصيبك بالحيرة! هل يتواصل معي صاحب هذا الملف فعلاً، أم شخص آخر؟!

هل كان اختياري نهائياً؟

سلامة العرض واحتواؤه على عناصر معينة تناسب العميل، خطوة أولى لجذبه. صفحتك المميزة بنبذتها وخدماتها وسلامة كافة النصوص العربية الواردة فيها خطوة ثانية. تواصلك السريع واللبق خطوة أخيرة لإتمام الصفقة! هذا يعني أن عدم توفر واحدة من هذه النقاط يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في عدم شراء الخدمة.

مثال ذلك أنني وجدت احترافية عالية من قبل بعض البائعين في مناسبات سابقة، لكن عند مراستلهم خيبوا ظني بأسلوب يفتقر إلى أبسط أساسيات التواصل الناجح. كمن يرحب بالعميل قائلاً: «أهلاً أخي، أهلاً أستاذ، أهلاً دكتور»، دون أن يكلف نفسه عناء منادة المشتري باسمه الأول الذي يبدو ظاهراً أمامه بشكل واضح. عادة غريبة لا أستطيع استيعابها صراحة، رغم أنها منتشرة بشكل مرعب بين أوساط المستقلين في مختلف المنصات المحلية كأنها أمر عادي!

وبالتالي، بعد توفر النقاط السابقة اشتريت الخدمة. أما النتيجة فكانت ممتازة، لماذا؟ لأن اختياري كان مبنياً على مؤشرات منطقية، بتوفرها تحققت الجودة المنشودة. وبهذه الطريقة أحصل عند شراء الخدمات على نتائج مرضية كلياً بنسبة (99%)!

نصائح ذهبية لتعزيز فرص النجاح:

1- إذا كنت تعاني ضعفاً في اللغة العربية، فسارع إلى معالجة نقاط ضعفك بدراسة قواعد اللغة. هناك كتب لا تعد ولا تحصى، وفيديوهات يوتيوب بأساليب مبسطة وممتعة لتعليم اللغة واتقانها.

2- استفد من عروض الباعة المحترفين، وطور قدرتك على صياغة عروض مؤثرة واحترافية. استفد من ملاحظات العملاء (هذا الموضوع مثلاً، هو عبارة عن ملاحظات من عميل لا بد أن هناك من يشبهه من العملاء في طريقة التفكير).

3- اجعل القراءة طقساً يومياً في حياتك، مثلها مثل تناول الطعام وشرب الماء. اقرأ الكتب أو المقالات أو أي شيء يشدك كالمجلات مثلاً، وحاول أن تقرأ في مجالات جديدة دوماً حتى تنمي مداركك، وتحسّن لغتك العربية والإنجليزية أيضاً.

4- راجع صفحتك الشخصية من الألف إلى الياء كل مدة، لضمان خلوها من أي أخطاء لغوية، خصوصاً إذا كنت تعمل في مجال الكتابة أو التدقيق أو الترجمة (حتى عناوين خدماتك يمكن تصحيح أخطائها بمراجعة الدعم الفني). من الغريب صراحة أن تراجع صفحات الكثيرين فتجد نفس الأخطاء اللغوية الفادحة بعد أسبوع، بعد شهر، بعد سنة! هل يُعقل أنني وفئة نادرة من الباعة الوحيدون الذين يراجعون صفحاتهم كل مدة قصيرة، بينما غالبية البائعين لا يراجعونها نهائياً؟!

خاتمة هذه التجربة وهذا المقال:

هدفي الأساسي من نشر هكذا موضوعات هو نقل بعض الرسائل الإنسانية (مخاطبة الناس بأسمائهم)، وإيصال بضعة مفاهيم مهمة إلى عقول المستقلين لإحداث تغيير إيجابي محتمل مهما كان صغيراً أو محدوداً.

في الوقت نفسه، لا أود أن يشعر أي واحد يطالع الموضوع بعدم الثقة إن وجد لديه أي نقاط ضعف مذكورة أعلاه، بل أن يثق بقدرته على الاستفادة من النصائح المطروحة لتعزيز فهم آلية تفكير بعض العملاء، وزيادة فرص نجاحه.

أما الأمر الرائع حقاً، فهو أنني خلال مسيرتي المهنية لاحظت تغير عقلية العديد من الزملاء والزميلات نحو الأفضل بعد مطالعتهم لما أنشره، كما حدث معي تماماً بعد مطالعة موضوعات قيمة لمستقلين رائعين استفدت منهم كثيراً.