بدأتُ في العمل الحر ككاتب منذ عام تقريبا، والحمد لله انني تخطّيت به خطوات كثيرة وعملت على مشاريع كثيرة وما زلت أتعلّم كل يوم وأحاول أن أكون أفضل، فما زلت أعتبر نفسي في البدايات.

خلال تلك السنة، وبجانب المميّزات التي حصلت عليها في العمل الحر مثل :استقلالية جزئية، والعمل من المنزل، الحصول على بعض المال بجانب الدراسة، وتلك الأمور التي يكررها كل من يتكلّم عن العمل الحر.

إلا أن هناك أمورا أخرى في حياتي لاحظت أنها قد تأثّرت بالمقابل فمثلا ..

علاقتي الإجتماعية - دراستي - صحتي، كل جوانب حياتي قد تأثرت بشكل كبير، فإنني لا أتعامل مع الناس، عملي يعتمد فقط على الجلوس امام الحاسوب الخاص بي، وقد أظلّ منشغلا طوال اليوم في مشروع ما وأجد أن اليوم قد انتهي وأنا جالس في مكاني، والأيام تمر خلف بعضها بنفس الطريقة، تستيقظ .. تجلس على المكتب لتعمل .. تنام، لا فرصة لعمل أي شيء آخر، وهذا بالإضافة على تأثير ذلك على الصحة، وعلى التركيز والضغط الذي قد يسببه مشروعين في نفس الوقت، والمشاريع تلو بعضها أحاول التنظيم بينها لكنّني لا أستطيع

وأقسم أنني بعض الأيام قد عملت ليومين متواصلين دون نوم فقط لأسلّم المشاريع التي أعمل عليها، وفي الآونة الأخيرة يحدث هذا الأمر بشكل متكرّر كما هو الحال الآن ..

إذا .. فلتبحث عن الحل

أعرف أنكم ستجيبون علىَّ ذلك الحل البديهي الذي سينصح به أي شخص ( قم بتنظيم وقتك، اعمل ست ساعات في اليوم فقط ثم انطلق إلى الجوانب الاخرى في حياتك )

حسنا، تعال لنجرّب ذلك، ماذا إن لم يكف هذا الوقت للإنتهاء من هذا المشروع ؟ وهو ما يحدث في أغلب الأحيان، فيمتد الوقت من 6 ساعات فقط إلى أن تصل إلى 12 ساعة، حتى تنتهي منه وتبدأ في المشروع التالي غدا .. أنسيت ؟ إنني لا أعمل على مشروع واحد، هناك أكثر من مشروع أعمل عليه في نفس الوقت.

وهنا ستنصحني ب ( اقبل مشروعا واحدا وأعط نفسك الوقت الكافي لتنتهي منه، ثم قدّم في مشروع آخر، وهكذا .. )

وهنا يكمن الأمر كله ..

حيث يظهر عنصر ( التهديد ) كالكابوس الذي يتسبب في كل ذلك

عندما أقبل على رفض خدمة ما على خمسات، أو رفض التقديم على مشروع على مستقل لأن الوقت الخاص بي لا يسمح لذلك، تظهر في عقلي تساؤلات كثيرة

ما الذي يضمن لك أنك عندما تنتهي من المشروع الذي تعمل عليه الآن ستجد بعدها مشاريع أخرى مباشرة ؟

إذا رفضت تلك الفرصة ربما لن تجدها ثانية ؟

وهذا هو الأمر ..

إنك في تهديد مستمر، تهديد أنك لن تجد عملا في الغد، فالعمل الحر يعتمد على الخدمات والمشاريع المنفصلة، وريما إن وجدت مشروعا اليوم فلن تجد غدا، وربما تجلس فترة طويلة دون عمل.

وذلك التهديد هو ما يجعلك دائما في بحثٍ عن مشروع جديد وعمل آخر، حتى وإن كنتَ مضغوطا ولا تملك وقتا، فإنك لا تضمن أن الغد سيكون به عمل هو الآخر، ولذلك تقبل العمل على كل المشاريع التي تأتيك وتخاف أن ترفض أو تأجّل أي منها ..

وتظل في تلك الحلقة من الضغط والتعب والعمل طوال اليوم دون أن تفكر في جسدك أو عقلك، وأعلم أنها يتأثران سلبيا طوال هذه المدة، ولكن لا يوجد خيار آخر.