تجربتي_مع_التفكر

ترفع ناظريك الي السماء فتجدها قد تزينت بأبها حلتها .

عدد لا يحصى من الاجرام و النجوم فتدرك انه لا يضهيهم في الكم و العدد الا ذنوبك و نعم الله عليك .

تدرك ذلك فيعج صدرك بالخواطر و يمتلأ قلبك بالمشاعر و من تلك المشاعر المنتابة الخجل و الانبهار .

تخجل لكونك مخلوق في منتهى الصغر في ملكوت الرب الشاسع و قد تحديته في سلطانه بالعصيان و لم تستحى من مراقبته لك و لم تأدي ما عليك من الشكر و الامتنان علي ما اسبغ عليك من النعم .

و تنبهر لحسن خلقه و بديع صنعه و جمال تصويره و تمام انشاءه و بهاء تقديره .

ترجع بصرك الي السماء كرتين لعلك تجد فتورا فينقلب اليك البصر خاسئ وهو حسير .

ما اجمل التفكر في ملكوت الله و حبذ ان يكون ذلك في غسق الدجى و قد اسدل علي الكون سربال العتمة و الهدوء و الجميع نيام قد مضوا الي عالم البرزخ و لم يبقي الا الواحد الذي لا ينام .

ﻭقد ﺃﻣﺮ ربنا ﻭﺣﺚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻣﺎﺩﺣﺎً ﻋﺒﺎﺩﻩ :

" ﻭَﻳَﺘَﻔَﻜَّﺮُﻭﻥَ ﻓِﻲ ﺧَﻠْﻖِ ﺍﻟﺴَّﻤَﺎﻭَﺍﺕِ ﻭَﺍﻷَﺭْﺽِ ﺭَﺑَّﻨَﺎ ﻣَﺎ ﺧَﻠَﻘْﺖَ ﻫَﺬﺍ ﺑَﺎﻃِﻼً ﺳُﺒْﺤَﺎﻧَﻚَ ﻓَﻘِﻨَﺎ ﻋَﺬَﺍﺏَ ﺍﻟﻨَّﺎﺭِ ‏" .

نعمة التفكر او عبادة التفكر هي التي جعلت من ابرهيم النبي خليلا لله و التي اخرجت محمد الامي من غار حراء فأوصلته الي سدرة المنتهى .

التفكر لذة و نشوة سماوية ليست في شي من هذه الارض ، انه ذلك التجاوب الكوني مع ارواحنا الذي يخاطبنا همسا قائلا : العظمة لله .

التفكر هو تلك الشرارة التي توقد زيت الايمان النقي القابع و الكامن داخلنا فيشتعل نورا ليضئ بصائرنا و طريقنا نحو الرب

التفكر هو نشوة العابدين ، و غاية الحكماء و الزاهدين ، و منشود اهل التصوف السالكين .

التفكر لاجله شيدت المعابد و المساجد و الاديرة .

التفكر خير ما تقرب العبد به لربه

هو تمام المعرفة و ذروة العلم و عين اليقين

هو سمو الروح و نزوحها لعالم اهل السماء

انه الرأية الشاملة و الحقيقة التامة .

و قد نقل اثر عن احد من ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻳﻄﻴﻞ ﺍﻟﺠﻠﻮﺱ ﻭﺣﺪﻩ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻤﺮ ﺑﻪ ﻣﻮﻻﻩ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﺳﻴﺪﻱ ﺇﻧﻚ ﺗﺪﻳﻢ ﺍﻟﺠﻠﻮﺱ ﻭﺣﺪﻙ، ﻓﻠﻮ ﺟﻠﺴﺖ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻥ ﺁﻧﺲ ﻟﻚ ، ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﺇﻥ ﻃﻮﻝ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺃﻓﻬﻢ ﻟﻠﻔﻜﺮ ﻭﻃﻮﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺠﻨﺔ.

و ﺳﺄﻟﺖ ﺃﻡ ﺍﻟﺪﺭﺩﺍﺀ : ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻓﻀﻞ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﺭﺩﺍﺀ؟ ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻟﺘﻔﻜﺮ ﻭﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ .

ﻟﻮ ﺗﻔﻜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻋﺼﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭ ﺟﻞ طرفة عين و ما خالفوا نهجه وهلة و ما فارقوا دربه لحظة و ما تباطأت خطاهم في السير نحو نعيمه لمحة .

قارئي العزيز لا اطيل فتسأم نفسك من خطابي و تضجر روحك من مقالي فيذهب جهدي مهب الريح فلا ابلغ غايتي و مرادي ألا و هي التذكير و الارشاد و اني لست بأهل لذلك فإني غير تقى أأمر الناس بالتقى كطبيب يداوي الورى و هو عليل .

و اكتفي بقول الله تذكيرا و وعظا

" ﻗُﻞْ ﺇِﻧَّﻤَﺎ ﺃَﻋِﻈُﻜُﻢ ﺑِﻮَﺍﺣِﺪَﺓٍ ﺃَﻥ ﺗَﻘُﻮﻣُﻮﺍ ﻟِﻠَّﻪِ ﻣَﺜْﻨَﻰ ﻭَﻓُﺮَﺍﺩَﻯ ﺛُﻢَّ ﺗَﺘَﻔَﻜَّﺮُﻭﺍ "

تفكروا عباد الله و انيروا بصائركم و قلوبكم ..

قلم خليل بن علي