ما حدث لي كان في بلد عربي غير محدد ولكن الان خرجت منه واعيش في بلد آخر غير محدد ..
كانت تلك اسوء مرحلة في حياتي مدتها بين 3 سنين ، لم تكن المرة الاولى التي اسجن فيها عندهم بدون سبب ، المهم ان يتم التحقيق معي والضرب طبعا كان من ميزات هذه القصة ، في كل مرة اسجن فيها اخرج كأني ولدت من جديد ، مرت علي ليال كثيرة لم استطع فيها النوم ، دقات الباب احيانا كانت ترعبني ، كنت اشعر في كل مرة يدق احد فيه الباب ان موعدي قد أتى ، او ان زيارتي لهم قد حانت ، يمكنك القول أني اعتدت بعض من الروتين في كل مرة..
يمكنك القول ان امن الوطن لا يمكن ان يحافظ عليه الا بالاهانة والتعذيب ، هذا فكرهم او عقيدتهم .. لا يهم ، كنت احاول التخفي في معظم اوقاتي ، اردت ان اكون حائطا كي لا يراني احد ، او يعير لي اهتمام ، لا اعلم لما لم اقتل على يدهم مع اني دخلت عدة مرات ورأيت الموت امام عيني ، حتى أني حملت من قتل على يدهم لأكدسهم فوق بعضهم حتى يأتي الوقت ويرمونهم في مكان ما ، حين ترى انسان ميتا لن تعود نظرتك للحياة كما هي ، في كل ثانية كنت ادرك ان مصيري في النهاية مثلهم ، لكني لم اكترث .. لكل انسان طاقة تحثه على الاستمرار على الحياة ولكنها انتهت عندي ، لم يكن الانتحار سبيلا فالموت كان اقرب لي من ان انتحر او افكر به ، خسر اهلى الكثير من المال في كل مرة اخرجوني فيها ..
بعض من كانوا في الداخل لم اشعر بإنسانيتهم ، تعلمت هذا الدرس في اول مرة دخلت فيها وعاد احدهم الينا بعد التعذيب فحاولت مساعدته ، لكنها كانت اكبر غلطة ارتكبتها ، فضربت حينها ضعف ما كان مقدرا لي ، ثم أدركت ان انسانيتي لا قيمة لها هنا ، حاولت الحفاظ على ما تبقى منها في داخلي ، لا اريد ان اصبح وحشا مثلهم في النهاية ..
في كل مرة كنت ادخل الى معتقل رسمي وهذه ميزة صدقني ميزة قد تقرر بين حياتك او موتك ، فالمعتقل الرسمي يمكن ان يتم التواصل معهم حتى تدفع لهم الاموال فيخرجوك ان كنت محظوظا ومازلت على قيد الحياة ..
لكن المرة التي كانت ستقرر نهايتي حانت ، حبست من قبل مجموعة غير رسمية ، فكنت عائدا كالعادة الى بيتي ، ناداني احدهم بلباس عسكري فأجبته .. طلب هويتي .. أعطيته اياها .. قال الحقني .. لحقته .. كيف لي ان ارد على شخص يحمل السلاح ؟؟
دخلت الى مبنى يبدو انه تحول مؤخرا الى معتقل ، ولكنه ما زال مسكونا في الطابق الارضي ، صعدت معه الى الطابق الاول ، فإذ بمكتب يجلس عليه ضابط .. قال له العسكري " هذا هو سيدي " ..
هذا من يا رجل ؟؟ انا من ؟؟ هل انا زعيم عصابة ولم ادرك هذا بعد ؟؟
لم استطع الرد بكلمة ، فكنت اعلم ما مصيري لو تفوهت بكلمة لم تعجبهم .. فتشوني واخذوا كل اغراضي من هاتف وهوية .. الخ
ادخلني العسكري الى غرفة بيت عادي .. فقام كل من في الغرفة ولفوا وجوهم الى الحائط .. لم اعلم ان كان ما قاموا به احتراما او خوفا او لسبب آخر .. بحثت عن مكان فارغ لاقف فيه حتى خرج العسكري .. حينها لف المعتقلين وجوههم وجلسوا .. جلست ساكنا .. لم استطع التفوه بكلمة .. كنت ادرك خبثهم واساليبهم .. لان هناك احتمال كبيرا ان يكونوا قد وضعوا احدا منهم على انه معتقل ليسمع احاديثنا ..
مضت الليلة الاولى وخارج الغرفة اصوات تعذيب اعتدت عليها .. لم استطع النوم .. كان بجانبي رجل بعمر والدي تقريبا .. لم اشعر بأنه خائف .. كنت اريد فهم ما يحصل .. فكلمته بصوت منخفض كي لا يسمعنا احد .. سألته أين نحن ؟ .. اجابني بعبارة هزتني رغم كل ما عشته من لحظات سيئة في حياتي .. قال لي " هل تركت وصية لأهلك ؟ " .. لم استطع الاجابة او لم ارد .. كلامه حطمني رغم انه قالها وهو مبتسم .. كأنه ينتظر وقته او كأنه يحلم بجنة يعيش فيها بعد أن يقتل ..
كان التعذيب مختلفا .. وطبعا كان بالدور ، كلن له دوره وطريقة تخصه بالتعذيب .. يمكنك القول انه فن جديد .. بعضنا كان يدخل وارجله مجروحة والبعض الآخر ظهره متورم .. لم اتناول سوى كسرات خبز لا اعلم ان كانت صالحة للاكل وزعوها علينا .. دوري في التعذيب كان مختلفا عن الجميع لا اعلم السبب .. عذبوني في الغرفة امام الجميع .. ربطت يدي خلف ظهري .. وجلست على ركبتي .. وقام اثنان من المعتقلين معنا بتثبيتي بينما يتعلم العسكري فن الجودو او الكاراتيه علي .. ربما كانت هذه طريقة تدريبهم .. لا اعلم صراحة ..
استمرت الحالة ولم اعد ادرك الفرق بين الليل والنهار .. تناقصت اعدادنا .. الرجل العجوز لم يعد بعد آخر تعذيب له .. أظنه قد لاقى حتفه .. لم اتوقع ان يتحمل شخص بعمره كل هذه الفترة .. جاءت اللحظة التي انستني معنى ان اكون حيا ام ميتا .. طلبني العسكري .. ادخلوني لغرفة اخرى فارغة .. فارغة من الاشخاص لكنها ملطخة بدماء لا اعلم لمن هي .. علمت حينها ان الامر لا مفر منه .. سأقتل لا محالة .. دخل الضابط ومعه عسكري .. وقال لي " إذا لم تعترف فنهايتك هنا ! " .. اجبته " لن اعترف بشيء لم اقم به " .. رفسني العسكري .. وقال لي الضابط .. " قف ووجهك للحائط وارفع يديك .. وانطق الشهادة " .. مرت لحظة سخرية قلت فيها " ما شاء الله يهتمون بأن أنطق الشهادة وكأني انتظر امرهم " .. نطقت الشهادة ولم اشعر بشيء كما يظهر في الافلام .. لم يمر شريط حياتي امامي .. لم اتذكر اي شيء من الماضي .. لم اشعر بالخوف .. مجرد اني واقف انتظر موتي .. قام بوضع فوهة سلاحه على رأسي .. قال له الضابط جهز سلاحك .. قام بتلقيمه .. انتظر ثواني قليلة وكأنه رغم كل ما قاموا به يريدون تعذيبي في آخر ثواني حياتي ..
فجأة .. قال له الضابط انزل سلاحك واخرج .. قال لي ادر ظهرك .. ورأيته .. أصابتني لحظات توحش حينها اردت الانقضاض عليه لأقتله او انتقم منه بأي طريقة كانت .. لكن عقلي منعني .. شعرت بأمل بأنه قد يتركني وشأني .. قال لي سأخرجك ولكن نريد مبلغ من المال .. قلت له أي شيء سيدي .. تغيرت معاملته بعد ان سمع موافقتي .. كنت اتوقع لو اني رفضت دفع المال لأعادني الى الغرفة مرة اخرى .. جلست في مكتبه وكلمت اهلي ليأمنوا لي المبلغ ..
خرجت حينها .. وتدبرت طريقة للخروج من البلد بطريقة غير شرعية .. وها أنا حي امامك .. لم تمت انسانيتي بعد .. ولكن الموت لم يعد يخيفني !
التعليقات