"خوفك من الموت، قد يكون هو دافعك للموت."
عبارة تبدو متناقضة، لكنها تختصر واحدة من أكثر التجارب النفسية تعقيدًا وألمًا ، منذ أيام، صادفت فيديو مؤثرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر فيه فتاة أجنبية تعمل كمؤثرة رقمية، تمت دعوتها من قِبل شركة سياحية لتجربة منطاد طائر والترويج له. وكأي تجربة ترويجية، صعدت الفتاة إلى المنطاد، وحلّقت في السماء لفترة وجيزة. غير أن ما حدث بعدها، كان خارج التوقع تمامًا.
فجأة، بدأت الفتاة تصرخ وتترجى الفريق التقني بأن ينزلوها فورًا. لكنها لم تتلقَّ أي استجابة. وفي لحظة مباغتة، فكّت حزام الأمان وألقت بنفسها من علو شاهق.
بعد الحادثة، إنقسم الناس بين من يلوم الشركة على ضعف إجراءات الأمان، ومن يلوم الفتاة على تهورها وثقتها الزائدة بهذه الشركة و من يلوم و ينتقد الفتاة ظنا منه أنها قامت بالإنتحار ... غير أن ما غفل عنه الكثيرون، هو أن ما حدث على الأغلب لم يكن انتحارًا متعمدًا، ولا حادثا سببه نقص إجراءات الأمان ، بل _ نوبة هلع حادة _ لحظة ذعر فاق فيها الخوف قدرة الفتاة على التفكير أو السيطرة.
الفيديو يُظهر بوضوح أن الفتاة لم تكن تنوي الموت. بل كانت، تطلب المساعدة، تبحث عن النجاة ، تتوسل النزول . لكنها للأسف لم تجد مخرجًا، فإختارت ـ بلا وعي ـ أقصر الطرق لإنهاء ما كانت تعيشه
وهنا تكمن المفارقة المرعبة:
أن الشخص أثناء نوبات الهلع لا يريد الموت، بل يخافه بشدة، ومع ذلك قد يتصرف بطريقة تقوده نحوه،
نوبات الهلع عادة ما تنشأ من خوف شديد من الموت أو فقدان العقل أو السيطرة. لكنها قد تدفع الشخص، في لحظة ما، إلى أن يُنهي حياته فعليًا هربًا من ذلك الخوف .
لأن الخوف حين يبلغ أقصاه، لا يترك لصاحبه مخرجًا، لا منطقًا، لا وعيًا. فقط رغبة غريزية في الفرار من الجسد ، من الواقع ،من اللحظة ، من كل شيء
حين يخاف الشخص الذي يمر بنوبة هلع من الموت بشدة لا يحتمل ذلك الخوف نفسيًا، فيتحول إلى قوة دافعة نحو الموت ذاته، لا رغبة فيه، بل هروبًا من الوجع النفسي.
الخوف، حين يشتد، يصبح تجربة وجودية خانقة، تسجن الإنسان داخل جسده، تشوّه واقعه، وتُغرقه في دوامة لا يراها من حوله.
فهل من الممكن أن يكون الخوف أشد من الموت؟
هل يمكن للإنسان أن يختار نهاية حياته لا لأنه يريد الموت، بل لأنه خائف منه ؟
التعليقات