هي قصة هروب، لكنها ليست مجرد حكاية واحدة، بل حكايات متداخلة، عن أشخاص يركضون في اتجاهات مختلفة، وكل واحد منهم يعتقد أنه وحده في هذا الطريق.

الهارب من ذاته، لا يعرف إلى أين يذهب، لكنه يشعر أن البقاء مؤلم، أن المواجهة تعني الغوص في أعماق لا يريد أن يراها. يملأ يومه بالأشياء التي تبعده عن التفكير، لكنه في كل مرة يعود إلى نفسه، يجدها تنتظره بصبرٍ مريب.

الهاربة من الحب، لم تعد تثق بأن المشاعر يمكن أن تكون مأوى، لأنها جرّبت من قبل، وعرفت أن الأمان أحيانًا يكون فخًا. تحب بعيون نصف مفتوحة، وقلب يتأرجح بين الخوف والرجاء، تترك بابها مواربًا للهروب قبل أن تُحبس في دائرة أخرى من الخذلان.

الهارب من المنزل، لا يهرب من الجدران، بل من النسخة التي يجدها لنفسه داخله. يبحث في الخارج عن هوية جديدة، عن شعور لا يحاصره بالماضي، لكنه يكتشف أن الطرق كلها تنتهي عند مرآة نفسه، وأن المسافة قد تبعد الجسد، لكنها لا تمحو الذاكرة.

الهاربة من الصداقات البائسة، جمعت في قلبها قائمة طويلة من العلاقات التي تحولت إلى عبء. تعبت من الكلمات التي تقال مجاملة، من الوجود في أماكن لا تشعر فيها أنها تُرى حقًا. لكن كلما حاولت الهروب، تسللت الوحدة إليها بخطى صامتة، كأنها ظل يرفض أن يتركها ولو للحظة.

وهناك من هربوا من بعضهم. ظنوا أن المسافة ستنهي كل شيء، لكنها لم تفعل. كان كل واحد منهم يحاول أن يبدأ من جديد، لكن في لحظة هدوء، حين يضع أحدهم رأسه على الوسادة، يدرك أن الهروب لم يكن سوى رحلة دائرية… وأن بعض الهاربين يعودون، حتى لو لم يكن ذلك بأقدامهم، بل بأفكارهم، بأحلامهم، بأسماء لا تزال تحرق أطراف ألسنتهم.

لكن القصة لم تنتهِ بعد، فالهروب ليس طريقًا مستقيمًا، بل دائرة مغلقة. والسؤال الأهم يظل معلقًا: إلى متى يستطيع الهاربون الهروب؟