التحول من وحش الى مجرد زائر

ها هي أنفاسي تتسارع، وجسدي ينهار، ودقات قلبي تعلو كأنها تصرخ، بينما معدتي تعاني ألمًا مستمرًا. أشعر برعشةٍ تجتاح جسدي، وبغليانٍ داخلي كبركان على وشك الانفجار. رأسي يكاد ينفجر من شدة الضغط، وها أنا على حافة “الجنون أو الموت”. كل ما أريده هو أن تنتهي هذه المعاناة، أرجو الخلاص بأي ثمن.

هل عاد وحشي؟! ها هو يقف أمامي، يحدّق بي، ويضحك ضحكةً تحمل كل معاني السخرية والتهديد، كأنه يقول: “أنا هنا، مش هسيبك .ومحدش هيقدر يخلصك منى.”

بعد أشهر من الشعور بالحرية والانتصار عليه، ها هو يعود أقوى من أي وقت مضى. عاد لينتقم، ليظهر لي أنه لم يختفِ أبدًا، وأنني لم أهزمه.

ذهبت إلى المستشفى مرة أخرى. أجريت التحاليل والفحوصات وكأنني أعيش هذا الكابوس للمرة الأولى. شعرت وكأن الموت أو الجنون يقتربان مني بخطوات متسارعة. وصف لي الطبيب الأدوية المهدئة مجددًا، وحين سألت الطبيب كيف يعود هذا الوحش بعد أن ظننت أنني شفيت، أجابني بهدوء:

“نوبات الهلع لا تختفي، لكنها قد تصبح تحت السيطرة إذا تعلمتِ التعامل معها.”

زاد هذا الرد خوفي. كيف أستطيع السيطرة على وحش بهذا الحجم؟ كيف أواجهه وأنا أشعر بأنه أقوى مني؟ شعرت أن الحياة أصبحت سجنًا، وأن استمراري فيها أمرٌ مستحيل.

بدأت رحلة جديدة مع طبيب مختلف، لكنها لم تكن مجرد رحلة علاج بالأدوية. هذه المرة كانت رحلة لإعادة بناء ذاتي وتغيير طريقة تفكيري، رحلة لإعادة هيكله عقلي ليصبح أكثر وعيًا وتماسكًا.

كان طبيبي صريحًا معي منذ البداية:

“نوبات الهلع لن تزول تمامًا، لكنها ستصبح أضعف، وستتمكنين من التعامل معها بسهولة.”

سألته بتردد: “بسهولة؟ كيف؟”

ابتسم وقال: “دعينا نبدأ الرحلة، وستكتشفين بنفسك.”

كانت هذه الرحلة مختلفة. تعلّمت أن أتعرف على نفسي من جديد، أن أكتشف قوتي الخفية،واتعرف علي جوانب شخصيتى العديده ، وأدرك ما أملكه من قدرات وأدوات تمكنني من مواجهة “وحشي”. تعلمت ألا أهرب، بل أواجه خوفي مباشرةً. فوجدت في المواجهه قوة.

لم يعد وحشي يرعبني كما كان. في كل مرة يظهر فيها، أستقبله كأنه زائر غير مرحب به، لكنني لم أعد أهرب منه. أصبحت أشعر بكل تفصيله يسببه لي من ألم، وجدتنى اتحداه قائلة: “هاتِ الي عندك .”

أدركت أنني أقوى مما كنت أعتقد. وحشي لن يقتلني، ولن يدفعني إلى الجنون. إنه مجرد تجربة صعبة، دقائق أو ساعات، وربما أيام، لكنها في النهاية ستنتهي.

الآن، أعيش على يقين أنني أقوى وأكثر وعيًا من أي وقت مضى. وحشي قد يبقى معي، لكنه لن يسيطر علي أبدًا…..

الي اللقاء مع نهايه الحكايه …