بينما أنا منهمك في العمل أحاول تصوير كتاب كامل، استداعني المدير وأخبرني أنه سوف يزيد لي في راتبي رغم أنه يرى أني لست كفأ للوظيفة ولابد لي من تحسين مهاراتي حتى أتمكن من الإستمرار معهم في المكتبة.

حقيقة لم أتصور أنه أبعد شهرين من التعلم وتطوير الذات وإدراك كل صغيرة وكبيرة في المكان أن يطلب مني أن أثبت نفسي وما هو المطلوب مني أصلا؟!

شعرت بغيظ شديد من كلامه وبأنه يظن أنه يمن عليَ، رغم أن الراتب الذي يتحدث عنه لا يقبله أقل عامل في أحقر وظيفة، ورغم ذلك قبلت انا به لشغفي بمجال المكتبات.

لكن منذ تلك اللحظة وأنا أتنفس اللهب من كلماته في كل حين، وبينما أعود لتصوير الكتاب نظرت فيه وقلت لنفسي كان يجدر بي تأليفك لا تصويرك لكني تكاسلت عن قرائتك في صغري.

الغريب أني وبعد صراع احتدم بيننا أنا والمدير على خلفية هذا الموقف، برر لي كلامه بأنه يعزني وأنه يعتبرني مثل أولاده، كان على طرف لساني حينها أن اقول له الله الغني عن هذه المحبة الله ابقى لي من هذه المعزة.

ولكن أوقفني سؤال دار بعقلي لماذا يبرر الآخرون أذيتهم لنا بالمحبة والمعزة، كيف لمحب أن يرضى الأذى لحبيبه، ناهيك عن التسبب له به، كيف يكمن أن يعبر الشعور بالألم عن المودة.

نعيش في مجتمع مشوه يرى بأن الوقاحة صراحة والغلظة صدق والحماقة طبيعة، نعيش في مجتمع لا يرحم ويبرر قسوته بالحب، عن أي حب يتحدثون، وأي مشاعر تقصدون.

حين فكرت في كل ذلك اختنقت بأفكاري أكثر، فآثرت كظم الغيظ عن الكلام، وبقي الجرح يؤلم وينزف ويتوارى خلف الأيام والذكريات، حتى بقيت أتألم منه ولا أعرف مصدر كل ذلك الألم.

وفي كل مرة أحاول فيها نسيانه وتجاوزه يعود ذلك المجتمع العفن ليذكرني به من جديد، صرت أعلم أني فاشل ولست على الكفاءة المطلوبة ولا أستحق الحب أو الإهتمام ولكن لا داعي لتذكيري بذلك طوال الوقت.