أكتب هذه الكلمات بعدما تمكنت من الإقدام على أمر أردته كثيرًا مؤخرًا إلا وأني كنت أعزف عنه التنفيذ في آخر لحظة؛ خوفًا من ندم مستقبلي، أو تدمير مظهري الخارجي، وربما عدم القدرة على استرداد ما سيضيع بإقدامي على هذه الخطوة.

حتى لا أطيل عليكم فتشعرون بأني قد ارتكتب جرمًا خطيرًا أو فعلًا بطوليًا لا مثيل له إن الأمر الذي أتحدث عنه هو قص شعري من جذوره، فصار طوله قريبًا من شعر الأميرة ديانا إن تذكرتوها. على العموم ليس هذا تحديدًا ما جئتكم لأتحدث عنه، وإن كان حديثي مستسقى فكرته من هذه الرغبة.

عندما أقدمت على خطوة قص الشعر كان عقلي يفكر ويتسائل لماذا هذا الأمر غاية في الصعوبة على نفوسنا نحن النساء على عكس الرجال بتاتًا، ربما بسبب حب الزينة، ربما بسبب أن الصورة النمطية للمرأة الجميلة مقتصرة على مدى طول الشعر من قصره. ربما أيضًا. ولكن لا هذا ولا ذاك كانا السبب الذي جعلني أتراجع على الدوام.

لقد قادني التفكير إلى نقطة بعيدة كل البعد عن قص الشعر من الأساس، بل وقد تكون عظيمة مقارنة بتفاهة الموضوع المستقاة منه.

إن الناس ورغم أنهم خلقوا ليعمروا في الأرض - وهذا لا يتم بالوقوف محلك سر - إلا أنهم أكثر ميلًا إلى الاستقرار التام، والروتين القاتل، يعيشون بمبدأ (ما نعرفه أفضل مما لا نعرفه) حتى وإن كان ما نعرفه ونعيش بداخله هو الجحيم بعينه، ليس مهمًا فقد تم الاعتياد عليه وهذا هو المطلوب وفقط، فلماذا نركض وراء شيء جديد ونعيد الكرة من البداية.

نخاف نحن النساء من قص الشعر لأننا نخشى من أن تصير هيئتنا بشعة، نقلق من احتمالية أن يبقى الشعر قصيرًا للأبد فلا يعود للنمو بنفس المعدل السابق من جديد.

نهرب من الطلاق لأننا نخشى مما يليه من تبعات، نتوقع أن تصير الأمور كلها سيئة إن صار ووقع رغم أننا قد نكون نشتغل في وسط النيران من الأساس.

نستمر في عمل لا نحبه، لا يكفي احتياجاتنا، لا يقدرنا فقط لأننا نخاف من أن لا نجد غيره.

نتلقى كل صنوف العذاب من شخص ما، ولكن لا سبيل لفعل شيء سوى الصمت، لأن الحديث سيجلب لك مصائب أكبر، ومسؤولية أكبر وأضخم. ونحن نعشق الهرب من أي مسؤولية كانت.

إننا نؤمن بشيء ونرفض الآخر لأننا اعتدنا على الأول، أما الآخر فجديد علينا مخيف الاقتراب منه.

سياسة الاختلاف هي جملة من كلمتين تكتب في كل المناطق، في الكتب الدراسية، على الحوائط، تردد في البرامج التليفزيونية. ولكنها أبدًا لا تطبق بيننا. وإن ادعينا العكس.

قص الشعر هو نموذج مصغر لقرارات كثيرة، مصيرية أو طبيعية، ضرورية أو ليست بالشيء الجلل، لا نأخذ أو نقدم على أي منها، خوفًا مما لا نعرفه، قلقًا من المستقبل. على الرغم من أن كل المعطيات تدل على أن ساعدتنا فيما عزفنا عنه، لا فيما قررنا مواصلة الغرق في رماله.

لا أقول أنه لا بد أن تقص النساء جميعن شعورهن حتى يشعرن بما شعرت به أنا، ولكن كل ما قلته أنه يكفينا البقاء في أوضاع لا تناسبنا لا لشيء سوى أننا جبناء نخشى المواجهة الجادة والقوية.