سألتني أحد الطالبات عن نصيحة أنصحها، في التعامل مع المرضى في المستشفيات، وهذه من متطلّبات المرحلة التي أنهيتها، والمرحلة التي ستخوضها الطالبة في السنة المقبلة.

سأكتب المنشور بصيغة التأنيث، لأنَّ السائلة أنثى، ونكاية بالحركات التقدّمية لتي تجبر الكُتّاب في الخارج على كتابة الأمثلة بصيغة التأنيث (لماذا تكتب He فقط؟ اكتب She) وكأنَّ الأمر بالإجبار! وقد نسوا أنَّ الأمر يأتي عفو الخاطر، حين تتحدّث عن أنثى، تتحدَّث بضميرها!

يتطلَّب الأمر، أن تكون بقرب المرضى، تحادثهم وتفحصهم، لمدّة 6 ساعات أسبوعيا. وفي هذه الأثناء عليك أن تطبِّق المهارات المعرفية من الكتب على مريض حقيقي، يتنفّس.

ليس الأمر كيوتيوب

الحياة ليست منظمة مثل يوتيوب. هناك حين تفتح فيديو عن "فحص الرئتين بالسماعات" ستجد المريض جالسًا بهدوء وصمت، يتقبّل حركات الفاحص.

ماذا لو دخلت على المريض وهو يأكل الجبن؟ ماذا لو دخلت عليه وهو يتأفأف من طالب قبلك قد فحصه؟ ماذا لو دخلت عليها في لحظة تسمعُ فيها في الخلفية نواح نائحة فقدت والدها للتو في الردهة المقابلة؟ كل هذه المواقف حصلت معي.

حضِّري قبل الذهاب

أخبرتها أن تجهّزي للفحوصات التي تريدين اجرائها قبل أن تفحصي المريض. حاولي قبل يوم مراجعة بعض تفاصيل المادة السريرية. مشكلة فحص المادة السريرية أنّها سهلة لدرجة تُشعرك أنّك تتقن كل شيء من دون مراجعة، لكنّك حين تواجه المريض واقعيًا، تنسى كل شيء. وتحاول التغطية على خيبتك بفتح مواضيع لطيفة مع المرضى، لا زلتُ أتذكّر حين فتحت الحديث مع ذلك الجد عن المزروعات التي يزرعها في بستانه، كيف يضمن ألّا تصيبها الحشرات؟

لا تشاهدي الطبلات

نصحتها أيضًا أن لا تُشاهد طبلات المرضى، فتعرفي ما فيهم قبل الحديث معهم. هذا سيحرق الكثير من الأحداث، سيمنعك من الاستماع للمريض، وسؤال الأسئلة الفضولية. سيحرمك من التخمين بقائمة أمراض، والخطأ، والتعلّم منه.

ستصل لمرحلة تعرف فيها -من وجه المريض- ما كان يُمرِّضه.

لا تمسكي قائمة

يستفزني الطالب الأصغر مني، حين يريد أخذ التاريخ المرضي من المريض، من قائمة اسئلة جاهزة، أي تصرِّف روبوتي أكثر من هذا!

حلاوة الحديث مع المرضى وأخذ التاريخ المرضي، تأتي من اللانظام، تأتي من ملاحقة الفضول، من السؤال عن أشياء ليست موجودة في الورقة.

بعد ذلك تستطيع العودة للورقة، وتسأل نفسك عمّا فوَّته؟ فتتذكّر أكثر في المرة القادمة.

أنشئي مدوِّنة!

أخبرتها بنصيحتي السرية، التي تجعلك تذهب للمستشفى، حتى في الوقت خارج المنهج. أنشئي مدوّنة أو قناة. دوِّني قصص المرضى كلّ يوم. لدِّي قناة في التليجرام اسمها "رحلتي في المستشفى" أحدّثهم عن قصصي مع المرضى، وكيف تعاملتُ معهم.

معظم القصص مليئة بتجارب الفشل، مليئة بـ "أردتُ فحصها، لكنِّي كنتُ وحدي وأستحييتُ" و "نسيتُ كل شيء حين كنت أمامه"

تجارب فشل، لكنّها مُمتعة حين تحدّثها. في النهاية قد لا يكون يومك جيدًا، لكن على الأقل لديك لأصدقائك قصّة!