ناثان ، شاب فى التاسع و العشرين من عمره ، أصابته الكآبة بعد وفاة والدته بسبب جرعة زائدة (overdose) مضى على هذه الحادثة عشر سنوات الان و لكنه كما هو لم يتغير حاله أبداً بل زاد سوءاً كل يوم فى الذكرى الثانوية لوفاتها يذهب لقبرها و معه زهورها المفضلة ، يقضى اليوم بأكمله هناك يُكرر كلامه فى كل مرة يأتى إليها و لكن بألم أكبر و أكثر

يبدأ حديثه بأبتسامة حزينة قائلاً : لقد أشتريت لكِ زهورك المفضلة أتذكريها ؟ مضى عشر سنوات مضت كأنها البارحة على أمى كأنى فقدتكِ أمس ألمى زاد لم ينقص لذلك قرر أبى أن يعالجنى عن طبيبة من الإكتئاب هل هذا هو ما أعانيه أمى ؟ إكتئاب !!! لا تقلقى أنها طبيبة جيدة أنا معها منذ 9 سنوات إلى الان ، لكن لا شيئ تغير أمى ، إن كان ما أعانى منه أكتئاب ألم يكن ليزول ؟!!! إذا مما أعانى أمى ؟ ينتظرها لتجيبه و لكن يتذكر أنه أمام قبر أصم به تراب هذا ما بقى من أمه الحبيبة

بدأت الإبتسامة بالإختفاء من على وجهه و قال شبه مختنق : أنا لا أعرف شعور أن تكون مُدمناً على الحبوب ، لكننى أعلم كيف هو الحال أن تكون شاهداً......أنه شعور قاتل .

بدأت دموعه بالتجمع و هو يُكمل قائلاً : يقولون أن الألم سجن ، أرجوكى......أنا أترجاكى أمى أخرجينى من سجنى هذا .

ابتسم محاولاً إخفاء حزنه قائلاً : الموسيقى هى المكان الوحيد الذى أستطيع الذهاب إليه لكى أتحدث إليكى ، لازلت أتذكر أغنيتك المفضلة .

لقد تطلب الكثير من الجهد مني حتى لا أصرخ فى جنازتك ، أجلس فى مقعدى ، ذلك الشخص الذى تحدث كان مثير للشفقة أرأيتيه ؟ بعدما عُدت المنزل حبست نفسى فى غرفتى ، الدموع تنزل من على وجهى و أصرخ قائلاً أتمنى لو كنتِ هنا أمى ، لكن فى كل مرة أتخيلك ، كل ما أشعر به هو الألم ، أنا أفكر فيكِ عندما أشم رائحة السجائر تلك .........أكره الطريقة التى أتذكرك بها أمى ...........لقد و جدوكِ على الأرض ، أستطيع القول أنكِ شعرتِ بالقعر و الفراغ .

أعطيتِ كل شيئ تمتلكينه بالإضافة لحياتك لعلب الحبوب......أعطيت كل شيئ........أأنتِ سعيدة الأن أمى !!

بدأ بالصراخ : كيف أمكنكِ تركى غير مًدرك هكذا ؟

لقد أنتظرت.......أنتظرتكِ....لكنكِ قفط تركتينى .

لقد كنت بحاجة إليكِ..........كنت فى أمس حاجتى إليكى .

بدأ بمسح ما سقط على وجهه من دموع و أكمل بصوت مهزوز قليلاً : لقد أخبرتنى أنكِ أحببتنى.......حسناً ، أعتقد أن ذلك لبس صحيحاً ، إذا كنتِ حقاً تهتمين لأمرى فأين أنتِ الان هاااا ؟

أكمل يمنع نفسه من البكاء : لقد قلتِ أنكِ فخورة بى.......لكنكِ.......لكنكِ لا تعرفيننى جيداً........لم تكونى معى معظم الأحيان.........أنتِ لم تهتمى سوى لحبوبك فقط ، كم كنتِ انانية أمى قالآخرها باستهزاء .

لقد قلتى أنكِ ستأتين و تأخذينى من عند أصدقائى ، ثم..........تتصلين بعدها بدقيقة لتخبرينى أنكِ لن تأتى !!! قال آخر الجملة بصوته المهزوز المتعجب

قال بصوت عالِ قليلاِ يظهر به كراهية : أنا......أنا أشعر بالإهانة أنكِ أمى ، أتعلمين ذلك هاا ؟

أبتدأ يقول بعدما هدأ قليلاً : أنا أعيش مع أب بالكاد أعرفه الان ، و سيدة ما فى ركن إحدى الغرف تُشاهدنا بينما تكتب فى الملاحظات .......هل رأيتى ماذا حدث بعد رحيلك ؟

بدأ صوته يعلو مجدداً و دموعه تسيل على وجهه قائلاً بألم : أنا لا أفهم ذلك أمى.....ألم تريدى مشاهدة صغيرك و هو يكبر أم أن الحبوب كانت أكثر أهمية منى هاا !!!

قال بتعجب و كأنه ينتظرها أن ترد عليه من القبر : كل ما كان عليك أن تقولى هو " لا " لكنكِ لم تفعلى ، اليس كذلك ؟ فقط استمريتى فى أخذها حتى قتلتكى هاا ؟

شعر أن قدماه لم تعد تحمله فجلس و أكمل : أعلم أنكِ ذهبتِ......لكنى لازلت أستطيع الشعور بكِ.

بدأ يصرخ يتمنى لو تُجيبه و تريحه : لماذا تركتينى.......لما.......كيف أمكنك تركى هكذا........فقط أخبرينى كيف ؟

أنتظر ليهدأ حلقه من الصراخ فحلقه كاد أن يتشقق من الصراخ ثم أكمل : لدى هذه الصورة فى غرفتى...هذه الصورة لى و لكِ فى آخر لقاء بيننا و هذا يقتلنى ، لكنى لا أحتاج لصورتك أمى .......أنا أحتاج إليكِ أنتِ أمى ، الان العلاقة شيئ لن يكون بيننا أبداً و أنتِ السبب.....لكن.....لماذا أشعر كأننى فقدت شيئاً لم أملكه من الأساس ؟

بدأ فى البكاء من جديد و كأنها فى أنتظار يدها لتربت عليه الان : كان عليكِ أن تكونى هناك عندما تخرجت لتخبرينى أنكِ تحبيننى و تُهنئينى ، بدل ذلك تركتينى عند النافذة أنتظركِ .

زاد بكاؤه أكثر و كان بألم أكبر : أين أنتِ أمى ؟...........لقد كنت صغيرا جدا على فهم ذلك ، أين أنتِ هاا ؟

أنا أعلم أن هذه الحبوب جعلتكِ أسيرة ، أستطعت رؤية ذلك فى عينيكِ ، لقد استولوا على عقلك

بدأ فى مسح دموعه و فرك عينيه التى بدأت بالإحمرار وهو يقول : لن أقول أنى سامحتك لأن ذلك لم يحدث .......لقد أعتقدت أنى ربما سأشعر بتحسن مع مرور الوقت

بدأ بالصراخ و لكن زادت فى صوته نبرة الألم : لماذا تركتينى.......لما.......كيف أمكنك تركى هكذا........فقط أخبرينى كيف ؟

بدأ يتحدث بتعب و هو ينطر لقبرها منتظر ردها على عتابه منتظر أن تقول له " أنا آسفة بُنى أسفة لقد أحببتك أحببتك من كل قلبى " ولكنها لم ترد فأكمل : محادثتنا الأخيرة أنتِ و أنا جلسنا فى غرفة المعيشة ، نتحدث عن موسيقاي ، و قد جلبت لكِ بعضها لتسمعيها ، لقد بدأتِ بالبكاء و قلتِ لى " هذا ليس أنت " !!!! قال بتعجب فعقلها لم يكن معه أساساً ، كانت جسد أمامه بلا روح و تقول أنه ليس هكذا !!!

بدأ بالقول باستهراء ظاهر : بعد أسبوعين ، أعتقد أنك كنتِ تغنين أغنية مختلفة ، لقد أخذتِ تلك الحبوب للمرة الأخيرة ، اليس كذلك ؟ لقد أخذوكِ مني مرة ، أعتقد أنهم عادوا للقضاء عليكِ

بدأ برفع رأسه للسماء قائلا ً و الدموع تشق طريقها على وجهه : لا أعلم إذا كنتِ تسمعينى أم لا ، لكن إذاكنتِ لازلتِ تراقبين أمى لماذا هاااا؟

بدأ بضرب الحجر الذى على فبرها يصرخ بحرقة : لماذا تركتينى.......لما.......كيف أمكنك تركى هكذا........فقط أخبرينى كيف ؟

قام و وقف على قدميه و أستدار ليرحل و لكنه توقف ليلقى آخر نظرة على قبرها ليودعها فقال : فى بعض الأحيان أفكر فى..... فى أشياء مثل....أنتِ تعلمين.....عندما أُرزق بأطفال أنا سأكون ك.......لن تكونى هناك ، تعلمين؟ لن تكونى هناك لأجل أى شيئ له علاقة بى ....... و لن أتمكن من رؤيتك مجدداً

لقد نالت منكِ تلك الحبوب ، اليس كذلك ؟ لقد نالت منك ، صحيح ؟

فى بعض الأحيان أتمنى فقط......لو أننى أتصلت بكِ ......لو أننى أجبت على أتصالاتك ......أتمنى لو كنتِ هنا ...... أعنى أنه كان عليكى أن تكونى هنا لأجلى......عليكى أن تكونى هنا .

تراجع للوراء قليلاً و هو مازال ينظر لقبرها ينتظرها لتركض عليه تحتضنه تترجاه ليبقى قليلاً لكنها لم تفعل ، لقد كانت كل شيئ بالنسبة له و لكنها لم تُقدر ذلك ، جعلته يُعانى بسببها و ما زال يُعانى ، فى بعض الأحيان يُفكر فى الإنتحار و لكنه يتراجع و الغريب أنه لا يعلم سبب تراجعه فدائماً ما كان أنظوائياً و لا يراه أحد ، و لكنه يُفكر ماذا إذا كان أحد ما يعتبره كل شيئ بالنسبة له و فجأة لا يجده ، هو لا يريد معاناته لأحد آخر لذا يتراجع ، ابتسم ابتسامة أخيرة للقبر كوداع بالرغم من أنها مليئة بالحزن و الألم لا تزال ابتسامة و قال : أراكِ العام المقبل أمى .