هدأ الصخب أخيرا وعم الهدوء ، خرجت من مضجعي والعبرات تملأ وجنتاي، وكل آمالي أن أجد العزيز المفقود الذي ودعني ليلة أمس وكأنه لن يعود، مررت بالأزقة الملطخة بدماء الشهداء، والمنازل المهدمة التي تضم تحت جدرانها قطعة من قلب أحدهم، فزعت من المنظر وهرولت وأنا لا أدري وجهتي ...

انتهى بي المطاف لأقف أمام كومة من البشر المقتولين، رأيت أشخاصا يقلبون وجوه الجثةِ وملامحهم تتطلع ألا ترى بينهم ذلك العزيز الذي ربما غادرهم مودعا الوداع الأخير، مسحت تلك الدمعة التي نزلت من عيني، فكرت قليلاً وقررت الانضمام لهم، ربما قد أجد ضالتي ... 

تحركت من مكاني لأقوم بنفس عملهم، بحثت وبحثت دون توقف، لكن وللأسف لم أجد ما أسعى إليه، علت وجهي ابتسامة صغيرة وكأني وجدت أملي الأخير. تركت المكان وغيرت وجهتي، هاته المرة قررت الذهاب لمكان فارغ لأفرغ بنفسي وأتأمل المخلفات التي تركتها هذه الحرب اللعينة، وصلت لوجهتي، فإذا بي أنصدم بالمنظر، نعم وجدته، نعم إنه هو، ذلك الذي بحثتُ عنه في جل المدينة، ارتجفت من قمة رأسي إلى أخمص قدمي، لم أحرك ساكنا بقيت في مكاني أتأمل الأجواء، أتأمل الأرض الملونة باللون الأحمر والسواد الذي غطى تلك السماء الزرقاء، تحركت بخطى ثابتة نحو جثته الملقاة على الأرض، جلست أرضاً إلى جانبه وأجهشت في البكاء، وبدأت أردد وصوتي يختلط بدموعي:

"آه لو لم تكن الحرب،

آه لو لو تختر أن تدافع عن وطنك،

آه لو لم يكن السياسيين أساسا."