تعرف الهندسة البشرية (Ergonomics) بأنها مجال متعدد التخصصات يهتم بدراسة التفاعل بين الإنسان والأدوات والمعدات والتكنولوجيا والبيئة المحيطة به، بهدف تحسين جودة هذه العناصر المحيطة لضمان أن تكون ملائمة ومناسبة لاحتياجات وقدرات الإنسان.

وفي المجال التعليمي، تعرف الهندسة البشرية (Ergonomics) على أنها استغلال البيئة التعليمية والأنشطة الدراسية لتعزيز كفاءة الطلاب والمعلمين وضمان راحتهم وسلامتهم أثناء عملية التعليم. وتشمل المجالات الرئيسية للهندسة البشرية في التعليم تصميم الفصول الدراسية وتطبيق وسائل التكنولوجيا التعليمية فضلاً عن تصميم أدوات التقييم والملاحظة وتوفير بيئات تعلم مرنة ومتعددة الاستخدامات تتيح للطلاب التفاعل والتعاون والاستكشاف.

أولاً: أهداف استخدام الهندسة البشرية في العملية التعليمية

تلعب الهندسة البشرية دورًا حيويًا في تحسين العملية التعليمية وتعزيز تجربة التعلم للطلاب. يتم تحقيق هذا من خلال توجيه التصميم وتنظيم البيئة التعليمية بطريقة تتناسب مع احتياجات وقدرات الطلاب. وفيما يلي نستعرض أهم أهداف استخدام الهندسة البشرية في العملية التعليمية:

1. تعزيز التفاعل والمشاركة: يهدف استخدام الهندسة البشرية إلى خلق بيئة تعليمية تشجع على التفاعل والمشاركة الفعالة. يتم تنظيم المقاعد والمساحات بطريقة تسهل التواصل بين الطلاب وتعزز العمل الجماعي وتبادل الأفكار والمعرفة.

2. تحسين التركيز والانتباه: تهدف الهندسة البشرية إلى تصميم بيئة هادئة وخالية من المشتتات التي تساهم في تحسين التركيز والانتباه. يتم مراعاة استخدام الإضاءة الملائمة وتوفير مساحات مناسبة للتركيز الفردي والمجموعات الصغيرة.

3. توفير راحة جسدية وعقلية: تساهم الهندسة البشرية في تخفيف الضغط الجسدي والعقلي على الطلاب والمعلمين. يتم اختيار الأثاث والتجهيزات الملائمة التي تدعم وضعيات الجلوس الصحيحة وتقلل من آلام الظهر والعنق. كما يتم توفير مساحات مريحة للراحة والاسترخاء وتخفيف التوتر النفسي.

4. تعزيز التكنولوجيا في التعليم: تستهدف الهندسة البشرية دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية بطريقة يسهل على الطلاب والمعلمين استخدامها بكفاءة. يتم تصميم وتنظيم المساحات لدعم استخدام الأجهزة التكنولوجية وتوفير منافذ الشحن والاتصالات السلكية واللاسلكية.

5. تعزيز الأمن والسلامة: يضمن استخدام الهندسة البشرية في التعليم سلامة وأمان الطلاب والمعلمين. يتم تصميم المساحات بطريقة توفر سبل الوقاية والحماية، مثل توفير طرق الهروب في حالات الطوارئ وتنظيم تدفق الحركة لتجنب الازدحام.

ثانياً: المحاور الأساسية لتطبيق الهندسة البشرية في التعليم

ترتكز عملية تطبيق الهندسة البشرية على مجموعة من المحاور، أهمها مايلي:-

المحور الأول: تصميم الفصول الدراسية

يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية في تصميم الفصول الدراسية بهدف تحسين الراحة والإنتاجية للطلاب والمعلمين على النحو التالي:-

         أ‌-        تنظيم المساحة: يتعلق التنظيم المناسب للمساحة بتوزيع العناصر المختلفة في الفصل الدراسي بطريقة تعزز الفعالية والسهولة في الحركة. يجب توفير مساحة كافية للطلاب للجلوس بشكل مريح وللمعلم للتنقل والتفاعل مع الطلاب بسهولة. يمكن تحقيق ذلك من خلال ترتيب الطاولات والكراسي بشكل ملائم وتجنب تجاوز الحشود والعوائق.

      ب‌-      التهوية والإضاءة: يجب أن يكون هناك تصميم جيد لنظام التهوية والإضاءة في الفصل الدراسي. يجب توفير تدفق مناسب للهواء النقي وضمان إضاءة كافية ومناسبة للمهام المختلفة. يمكن استخدام النوافذ الكبيرة لتمكين دخول الضوء الطبيعي وتوفير إضاءة متجانسة وغير مزعجة.

      ت‌-      الأثاث الملائم: يجب اختيار الأثاث الملائم وفقًا لمتطلبات الهندسة البشرية. ينبغي أن تكون الكراسي مريحة وتدعم وضعية الجلوس الصحيحة للطلاب والمعلمين، ويجب أن تكون الطاولات بارتفاع مناسب لتناسب الأشخاص ذوي الأحجام المختلفة. يمكن استخدام وسائل تعديل الأثاث مثل الكراسي ذات الارتفاع قابل للتعديل لتلبية احتياجات الطلاب ذوي القامات المختلفة.

      ث‌-      تصميم اللوحات التفاعلية: يمكن استخدام الهندسة البشرية في تصميم اللوحات التفاعلية والوسائل التعليمية الأخرى. يجب أن تكون اللوحات سهلة الاستخدام وتوفر تفاعل فعال مع المحتوى التعليمي. يمكن استخدام ألوان مرئية ورموز بسيطة لتحسين الفهم والتواصل.

       ج‌-      توزيع المعدات والموارد: يجب توزيع المعدات والموارد التعليمية بشكل مناسب في الفصل الدراسي. يجب أن تكون الأدوات والأجهزة في متناول اليد ومنظمة بشكل يسهل الوصول إليها. يمكن استخدام تصميم الأدراج والرفالكمِّ الجيد لترتيب وتنظيم المعدات والموارد.

       ح‌-      العوامل الصوتية: يجب مراعاة العوامل الصوتية في تصميم الفصول الدراسية. ينبغي استخدام مواد ماصة للصوت وتصميم الجدران والأسقف بطريقة تقلل من التشويش الصوتي وتعزز الهدوء والتركيز. يمكن أيضًا استخدام أنظمة تقنية للصوت لتحسين الاتصال الصوتي بين المعلم والطلاب.

       خ‌-      السلامة والأمان: يجب مراعاة مبادئ السلامة والأمان في تصميم الفصول الدراسية. ينبغي توفير إجراءات للوقاية من الحوادث مثل تصميم الأبواب والنوافذ بشكل يسهل الوصول إليها وتوفير نظام إنذار حريق فعال وأنظمة إضاءة الطوارئ.

المحور الثاني: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية في تصميم واجهات المستخدم والتطبيقات التعليمية عبر الإنترنت على النحو التالي:

         أ‌-        التصميم البسيط والمباشر: ينبغي أن تكون واجهات المستخدم بسيطة ومباشرة لتقليل الارتباك وتسهيل التفاعل.

      ب‌-      سهولة الاستخدام: يجب أن تكون واجهات التطبيقات التعليمية سهلة الاستخدام ومرنة لتلبية احتياجات مختلف المستخدمين.

      ت‌-      التكيف مع الأجهزة المختلفة: يجب أن تكون واجهات التطبيقات التعليمية قابلة للتكيف مع مختلف الأجهزة المستخدمة مثل الحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

      ث‌-      تجربة تعليمية شخصية: ينبغي أن تكون واجهات التطبيقات التعليمية قادرة على توفير تجربة تعليمية شخصصية مخصصة لكل مستخدم. يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتوفير محتوى مخصص وفقًا لاحتياجات ومستوى المستخدم.

       ج‌-      التفاعل والمشاركة: يجب تشجيع التفاعل والمشاركة في التطبيقات التعليمية عبر الإنترنت. يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية لتوفير ميزات التواصل والتعاون بين المستخدمين.

المحور الثالث: تصميم المناهج التعليمية

يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية في تصميم المناهج التعليمية والمواد الدراسية لتعزيز عملية التعلم وتحسين تفاعل الطلاب مع المحتوى. وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن تطبيقها:

         أ‌-        توجيه الأهداف والمحتوى: ينبغي توجيه المناهج التعليمية والمواد الدراسية بما يتناسب مع أهداف التعلم المحددة. يجب تحديد الأهداف بوضوح وتقديم المحتوى بطريقة منظمة ومتسلسلة. يمكن استخدام هياكل المحتوى التسلسلية والمخططات التوضيحية والعناصر التفاعلية لتسهيل فهم الطلاب وتنظيم المعرفة.

      ب‌-      التنويع وتفاعلية المواد: ينبغي توفير تنوع في وسائل تقديم المواد التعليمية لتناسب احتياجات الطلاب المختلفة. يمكن استخدام مزيج من النصوص والصور والرسوم التوضيحية والفيديوهات والمحاكاة الافتراضية وغيرها لتوضيح المفاهيم وتحفيز التفاعل. يمكن أيضًا تضمين أنشطة تفاعلية مثل الأسئلة والتمارين العملية والمناقشات لتشجيع المشاركة الفعالة.

      ت‌-      سهولة الوصول والاستخدام: يجب أن تكون المواد التعليمية سهلة الوصول وسهلة الاستخدام للطلاب. ينبغي أن تكون واجهات المستخدم بسيطة ومباشرة وتوفر تنقل سلس بين الصفحات والمحتوى. يجب تقديم توجيهات وإرشادات واضحة للطلاب بشأن كيفية استخدام المواد والوصول إلى المصادر المساعدة.

      ث‌-      توفير ردود فعل فورية: يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية لتوفير ردود فعل فورية للطلاب فيما يتعلق بأدائهم وتقدمهم. يمكن استخدام نظم التقييم الفوري والتغذية الراجعة لتزويد الطلاب بمعلومات دقيقة حول أدائهم ومستوى فهمهم. يمكن أيضاً توفير إمكانية إعادة التفاعل والممارسة لتحفيز التعلم المستدام.

       ج‌-      التفاعل مع البيئة المحيطة: يمكن استخدام مبادئ الهندسة البشرية لتعزيز التفاعل بين الطلاب والبيئة المحيطة من خلال المشاريع العملية والأنشطة. ويمكن أيضًا تضمين مناهج تعليمية تربوية تعزز المشاركة المجتمعية وتعمل على حل المشكلات الحقيقية.

على الرغم من التطور الملحوظ في استخدام الهندسة البشرية كجزء من العملية التعليمية، لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه تطبيقها الفعلي وتحقيق النتائج المرجوة. تتضمن هذه التحديات قلة الموارد والبنية التحتية الملائمة فضلاً عن تحديات توفير التدريب المناسب للمعلمين لاستخدام الهندسة البشرية بشكل فعال. لذا، يتطلب الأمر مزيدًا من الاهتمام والدعم من قبل الجهات المعنية لتوفير الموارد اللازمة وتعزيز تدريب المعلمين وتطوير البنية التحتية لتحقيق نتائج إيجابية ومستدامة في استخدام الهندسة البشرية في التعليم.

المراجع:

كريمة محمود. (2023). معايير تطبيق الهندسة البشرية (الأرجونوميکس) في ورش النسيج بمدارس التعليم الفني الصناعي. المجلة العلمية المحکمة للجمعية المصرية للکمبيوتر التعليمي, 11(1).‎

Soltaninejad, M., Babaei-Pouya, A., Poursadeqiyan, M., & Feiz Arefi, M. (2021). Ergonomics factors influencing school education during the COVID-19 pandemic: A literature review. Work, 68(1), 69-75.