(بقلم: إسلام جهادالدين، ماجستير إدارة الأعمال، مُهتم بالشؤون الاقتصادية والإصلاح المؤسسي)
شهر ونصف قد مر منذ بداية العملية العسكرية التي قامت بها حركة حماس، وقد استمرت الأزمة وزادت تعقيدًا، وأصبحت مشكلة مركبة تهدد دِول الجوار وتُأثر على السِلم العالمي. اتناول في هذا المقال التأثير السياسي والاقتصادي المتوقع للحرب على دول الجوار وتوقعات ما بعد الحرب. هل تغيرت السياسات الكلاسيكية الأمريكية الآوروبية إتجاه حل الدولتين؟ هل تغيرت التوجهات السياسية المصرية-الأردنية-الخليجية إتجاه القضية الفلسطينية؟ مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب، هل يتم إعادة إنتاج نموذج محمد دحلان إلي قيادة القطاع بعد الحرب؟
نحاول خلال هذا المقال تناول النقاط الرئيسية للأزمة وتبسيطها لغير المتخصصين بهدف تقديم صورة أكثر وضوحًا للمحركات الرئيسية للمشهد السياسي الإقليمي في ظل الأزمة الحالية.
ليس ما بعد يوم السادس من اكتوبر لعام 2023 كما قبله. هذا ما تؤكده كل المعطيات السياسية بعد الهجوم الذي قامت به حركة حماس. إذ يشن الجيش الإسرئيلي هجومًا وغارات كثيفة وغير مسبوقة على قطاع غزة بهدف معلن وهو القضاء على حركة حماس تمامًا ونهائيًا. كما استبعد نتانياهو تسليم إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب إلي إدارة السلطة الفلسطينية، مؤكدا أن إسرائيل ستتولى السيطرة على القطاع تمامًا. كما أكدت هذه الرؤية تصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقب لقائه بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بأن السلطة الفلسطينية مستعدة لتسلم إدارة قطاع غزة ولكن في ظل إطار حل سياسي شامل. وإقليميا، عبرت دول الجِوار وخاصة الحكومة المصرية والحكومة الأردنية عن رفضها القاطع لفكرة التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، خصوصًا مع نزوح نحو مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى الجنوب باتجاه رفح المصرية حيث المنفذ الوحيد للقطاع مع العالم الخارجي.
التأثير الاقتصادي المتوقع للحرب على دول الجوار وتوقعات ما بعد الحرب
توقعت وكالات التصنيف الائتماني أن يتأثر الاقتصاد المصري بتداعيات حرب غزة، وذلك نظرًا لحدود مصر المباشرة مع غزة ووجود معبر رفح وهو المنفذ الوحيد لسكان قطاع غزة على العالم الخارجي، فأن مصر تتأثر بشكل مباشر من الحرب. كما أنه من المتوقع أن تؤدي الحرب إلى تراجع عدد السياح في مصر مما يمارس ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد المصري. كما انه قد تم اعلان تعليق العمل بمنصة "تمار" الإسرائيلية للغاز مما أدى بالفعل إلى انخفاض واردات مصر من الغاز وذلك يؤثر بشكل مباشر سلبًا على قدرة مصر على تلبية طلبات تصدير الغاز الطبيعي المسال وهو ما أثر على مواردها من العملة الصعبة ايضًا، وهو ما اعتبره البعض ضغطًا سياسيًا على مصر لتحييدها عن دعم القضية الفلسطينية. ومع استمرار أزمة نقص موارد العملة الصعبة، وارتفاع معدلات التضخم في مصر من المتوقع ان تشتدد الأزمة وتتزايد في ظل الضغوط الإقليمية والدولية الناتجة عن الأزمة والتي تختلف عن ثوابت السياسة لمصر الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينين.
هل تغيرت السياسات الكلاسيكية الامريكية الآوروبية إتجاه حل الدولتين؟
منذ قرار مجلس الأمن رقم 242 والذي صدر في نوفمبر 1967 نص علي: «إقرار مبادي سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط القرار حيث ان مجلس الأمن إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشان الوضع الخطر في الشرق الأوسط وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء علي اراض بواسطة الحرب. والحاجة إلي العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة 2 من الميثاق». وقد اتفق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي على تبني نص قرار 242 كأساس التسوية بينهما ضمن اتفاقيات أوسلو. وهو ما لم تلتزم به إسرائيل.
حتى الآن أن تصريحات الحكومة الأمريكية والدول الآوروبية تتبني الموقف الرسمي طبقًا لقرار الأمم المتحدة 242 وهو صلب السياسة الكلاسيكية للدول الغربية، ولكن عمليًا على الأرض، تقوم الدول الغربية بسياسات داعمة لإسرائيل وتغض الطرف عن المخالفات التي ترتكبها بالتجواز عن القرار الأممي ومختلف الأعراف والتقاليد الدولية الأخري. وهو ما يطرح تساؤل كبير حول لماذا تصمت الدول الغربية على التجاوزات التي تقوم بها إسرائيل؟ ولماذا ويتجنب أي مسؤول غربي الدخول في خلاف مباشر مع إسرئيل؟ وهو أمر يرجع لقوة جماعات الضغط والدعوة والتأثير الصهيونية ونفوذها في دوائر متخذ القرار الغربي من خلال عِده أدوات يمكننا تفنيدها وتناولها لاحقًا.
إذا فالإجابة الصريحة، هي أن السياسات الكلاسيكية الغربية لم تتغير بشكل رسمي ولكنها تقوم بغض الطرف ودعم إسرائيل عمليًا على الأرض.
هل تغيرت التوجهات السياسية المصرية-الأردنية-الخليجية إتجاه القضية الفلسطينية؟
منذ عقود التزمت الحكومات المصرية والأردنية المتتابعة علي ثوابت سياسية إتجاه القضية الفلسطينية، مع التزام معظم الدول العربية الرسمي بحل الدولتين ومع بدء قطار التطبيع الثنائي بين إسرائيل ومختلف الدول العربية في معزل عن القضية الفلسطينية ومع ذلك، في أزمات واعتداءات سابقة على غزة، قد شهدنا موقفًا عربيًا أكثر حسمًا بحلول وأدوات سياسية تبدء من البيانات شديدة اللهجة واستدعاء السفراء وحتى الضغط الاقتصادي من خلال مختلف الأدوات الاقتصادية. ورغم ذلك خلال العقود الماضية من منظوري وتحليلي الموقف العربي الحالي هو الأضعف تاريخًيا فيما يخص القضية الفلسطينية. وذلك في ظل تصاعد تصاريحات وخطاب إعلامي في الاوساط الإسرائيلية عن الضغط على سكان قطاع غزة ودفعهم جنوبًا والتصريح بشكل مباشر برغبة إسرائيل في تهجير سكان قطاع غزة في سيناء. قامت الحكومة المصرية والأردنية بالتصريح والرفض القاطع لفكرة التهجير، وذلك بالحفاظ على الثوابت السياسية الكلاسيكية رغم تقديم العديد من العروض والتفاوض حول المقابل الاقتصادي وتوجيه بعض الاستثمارات مقابل التهجير، ولكن هذا ما رفضته مصر بشكل رسمي وكذلك الأردن. مما يدفع بعِده تساؤلات حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، كيف سيتم إدارته؟ ومن سيقوم بتحمل المسؤولية الأمنية؟
مستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب، من يحكم ومن يتحمل المسؤولية؟ هل يتم إعادة إنتاج نموذج محمد دحلان إلي قيادة القطاع بعد الحرب؟
من هو محمد دحلان؟
محمد دحلان هو قيادي سابق في حركة فتح، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة خلال فترة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع. حيث أصدرت اللجنة المركزية لحركة فتح قرار فصل دحلان بسبب تهم تتعلق بالفساد بعد فضيحة المنطار عام 1997 حيث تم الاكتشاف أن محمد دحلان كان يحول جزء من الضرائب المفروضة على معبر كارني إلى حسابه البنكي بالإضافة إلي شبهات لها علاقة مشاركته في اغتيال ياسر عرفات. علمًا بأنه قامت حركة حماس بطرد دحلان وقواته بعد صراع عسكري مع جهاز الامن الوقائي برئاسة دحلان. واستمر الشد والجذب بين دحلان وحركة حماس في عِده معارك أخري.
عودة دحلان إلي المشهد
ظهر دحلان مؤخرًا في مقابلة اعلامية من مقر اقامته بأبوظبي، ويصرح أنه لا يبحث عن أي منصب وأنه لم يعد له أي صلة العمل الحكومي ولكنه سيستمر في دعم الشعب الفلسطيني. وتحدث دحلان عن غياب الرؤية لمستقبل الصراع في غزة بالإضافة إلي عدم وجود توافق دولي بشكل إدارة غزة ما بعد الحرب، إذ دخلت إسرائيل الحرب من دون رسم إستراتيجية واضحة لما بعد انتهاء حرب غزة. ويُعد هذا الظهور لدحلان ليس الأول ولا أعتقد انه سيكون الأخير من وجهة نظري أري أن هذه محاولة لإعادة تقديم دحلان إلي المشهد السياسي بدعم من بعض دول المنطقة ليقدم بديل للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (88 عام) وكأحد البدائل المطروحة للسيطرة الأمنية على قطاع غزة. هل إعادة إنتاج وتقديم نموذج "دحلان" هو الحل المناسب للقضية الفلطسينية؟ أعتقد أننا سنناقش هذا التساؤل في المستقبل القريب.
تشابك الأزمة
مع ظهور لاعبين جدد في الساحة السياسية الإقليمية مثل بعض الدول الخليجية، ظهرت بوادر واضحة لتعارض المصالح العربية-العربية وتشابكها مما أثر بالسلب علي موقف القضية الفلسطينية، ونتج عنها بعض الدول العربية تدفع ببقاء الوضع علي ما هو عليه والابقاء علي سياسة عدم التصعيد إتجاه إسرائيل، ودول عربية أخري تتضرر من الأزمة مثل مصر والأردن وهي تعتبر خط المواجهة الأول للحرب. وذلك دون ذِكر الموقف السلبي للدول الغربية التي تبنت سياسة الصمت الرسمي ودعم إسرائيل.
وهذا الوضع السياسي المتشابك قد جعل حرب غزة تأخذ بُعد إقليمي مُركب، ليس سهل الحل في المدي المنظور، ومع الأزمة الإقتصادية والضغوط الدولية الشديدة والمكثفة يصبح مُتخذ القرار في موقف شديد الصعوبة ويداه مكبله وأدواته السياسية محدوده.