كبرنا ، و ليست أسناننا اللبنية الشئ الوحيد الذي فقدناه منذ كنا اطفالا .
كبرنا فلم تعد لنا دمية مفضلة و التي كنا نظن بطريقة ما انها كانت حية تفهمنا ، و ذلك السرير الصغير الظريف لم يعد يناسبنا بعد الان ، حتى تلك الثياب التي كنا نرتديها دون اهتمام بشكلها او لونها تخلت عنا ، و ذلك الحذاء الصغير !
لم تعد قناه سبيستون هي كل ما نعرفه عن التلفاز ، لم يعد كرتون عهد الاصدقاء و لا داي الشجاع او عدنان و لينا برامجنا المفضلة ، و لن ننتظر بعد الان صدور حلقه جديدة من الفارس ارجاي او سالي او حتى القط كورو .
لم نعد نأبه لوجود وحش تحت سريرنا ، و توقفنا عن تخيل الوحوش التي تنتظرنا خلف كل مكان مظلم .
عادات كثيره تركناها لذلك الطفل الصغير الذي كنا عليه و تخلينا عنها .
لم يعد مصروفنا المدرسي يشكل ثروة بالنسبة لنا كما كان في ذلك العمر .
ليست تسريحة شعرنا الملخبطة دائما و ملابسنا التي يعتقد من يرانا فيها حينها اننا خرجنا من كارثه مع الموضة ، و لا ألعابنا و لا اصدقائنا القدامى و لا خطنا المخربش ... كل ما فقدناه .
و لكننا خسرنا شئ اعظم من كل هذا ، فقدنا شئ لا تساويه الدنيا كلها ، شى اجمل من كل جمال الحياة مجتمعا !
على هذا الطريق الطويل الذي أوصلنا الى هنا ،
فقدنا برائتنا !
اتذكر انني قرأت قبل فترة سطور تقول : ( كنا اطفالا نرتعب اذا رأينا قطعة خبز ملقاة على الارض نركض لحملها لمكان عالي و نرسل قبلة اعتذار إلى الله، اي ارواح طاهرة خسرناها في الطريق !! ) .
نحن لا نرتاح للأطفال و لا نشعر بالسعاده في وجودهم الا لتلك البراءة !
تلك التي تجعل كل معرفتك عن الحياة مقتصره على ما تريده و حسب !
لأنك تدرك أنه لن يؤذيك طفل و حتى ان فعل فانت تثق بنسبه 10000% انه لا يمكن ان يكون فعل ذلك متعمدا فالأذى و الكره اشياء أكبر من أن تدخل قلوبهم الصغيرة البريئة .
ليس ما فقدناه هو كوننا جاهلين بكل ما حولنا و لكن فقدنا البراءة التي كانت تجعلنا ننسى أقسى دفعة قد تنزل بنا ، خلال خمسين ثانيه بل و نعود لنلعب مع ذلك الطفل الاخر و كلانا يضحك و قد نسينا كلانا ما حصل .
فقدنا تلك البراءة التي كانت تجعل قطعة حلوى صغيره تنسينا العقاب الرحيم اذا نزل علينا و أصبحنا نتذكر كلمة قالها صديق قبل عدة سنوات و مازالت تألمنا و تغلي في قلوبنا .
فقدنا البراءة التي كانت تجعلنا نأخذ كل شئ بحسن نية و لم نعلم او نهتم يوما برأي غيرنا فينا في ذلك العمر بل لعلنا لم نفكر او نعتقد انا هناك شخص قد يتكلم عنا اصلا .. و اليوم رأي الناس يسبق رأينا و راحتهم قبل راحتنا ، لم نعد نعرف من نحن حقا !
فقدنا البراءة التي كانت تجعلنا نرضى بلعبة صغيرة و كانت الاشياء القليلة التي حولنا حينها تمثل كل عالمنا ، و اليوم مهما حصلنا على ما نتمنى نظل غير راضين و نريد المزيد و المزيد ، و حين نحصل على ذلك المزيد لا نرضى ايضا بل نبحث عن بديله .
نحن لم نعد نبالي بوجود وحش تحت سريرنا لأن مخاوفنا تعدت ذلك الوحش الخيالي الى مخاوفنا الحقيقيه ... الدراسه ، الوظيفه ، المصروف ... و كل شئ اخر ... نحن نسينا كيف نعيش الحياة بباسطة ، كما كنا حين كنا اطفالا .
و لم يعد الظلام يخيف اغلبنا لاننا لم نعد نخشى ظلام النور و لكن ظلام الوحدة و الانعزال .
أنا لا اتحدث عن إهتماتنا السابقة التي هي طبعا لم تعد مناسبة لنا اذا اردنا التقدم في حياتنا ، نحن لم نعد أطفلا صحيح و لكن ليتنا نفعل .. ليس لتعود دنيانا بلا هموم و لكن لان تلك الطيبة و الصدق ، و البساطه في حل المصاعب هي ما كانت تبقي الهموم بعيدة عنا و ليست اصابعنا الصغيره .
حتى في أسوء الكوارث ، دائما يظل الاطفال قادرين على ان يضحكوا و يمرحوا ، حتى ولو بعد مده !
حقا كنت صغيرا فتمنيت ان أكبر و قبل مدة قصيرة أتذكر أني تمنيت لو أني أعود طفلا ، حينها فكرت مالذي دفعني لهذه الامنية الغريبة ، بعد تفكير طويل ادركت أن سبب ذلك هي كل الضغوطات التي أمر بها ، و حين فكرت في الامر اكثر أدركت أن طريقة تفكيري هي التي مارست علي الضغوطات ، أنا الذي كنت اسحق نفسي بنفسي !
حينها فكرت ، لو انني عدت طفلا مجددا كيف كنت سأنجو من هذا المأزق !
و أدركت بسرعة أنني كنت سأوقف التفكير في كل شئ و ابدأ كما كنت افعل حين كنت طفلا اتعامل مع كل شئ بابتسامه و انا ادرك ان هذه ليست نهاية العالم ! ... و هي حقا ليست كذلك ، حينها فقط حين هدئت بدأت أبحث عن الحلول واحدة واحدة فنحن لم نكن مجانين بهذا القدر حين كنا صغارا ولم نكن نفكر ب تسعه الاف فكرة في الثانيه !
و فعلت كما كنت طفلا ، اي سؤال لم اجد له اجابة بنفسي ... كنت أسأل، و بهذا و فرت الكثير من الوقت و الجهد و الحرب النفسية التي كنت اخوضها مع نفسي ، و تعلمت أننا احينا نحتاج لان نكون اطفالا ، لنواجه كل شئ ببساطه و شجاعه - و القليل من الخوف احيانا :) - ، فتلك البراءة و ذلك الهدوء و الحماس الذي لا يعرف الاستسلام هي كل ما نحتاجه لنعيش بسعادة و سلام روحي و تناغم مع الحياة ، كما كنا سابقا .