كثير من الأحيان بسمع ناس عم تمجد بدولة لحد الهوس الّي يخليهم يتمنوا يتركوا بلادهم ويهاجروا عشان حياة ومستقبل بيليق بحياة الإنسان، بفترة هوس الهجرة بيصيب الإنسان اكتئاب، حزن وإرهاق في التفكير، راح تحس أنه أكثر نكهة بتذوقها بالحياة هي نكهة اليأس الّي بتفقد شهيتك بالحياة.. ألم الأرق راح يرافقك بنص الليل وأنت عم تبحث بين صفحات الإنترنت عن أفضل دولة للهجرة، وبعد ما تختار وجهتك، أو بمعنى آخر بعد ما تختار صورة الحياة الوردية الّي رسمتها بداخلك.. بتصير تبحث عن طريق الوصول؛ عبر الجو، البرّ أو في قوارب الموت.

بذات اللحظة الّي عم تفكر فيها أنه حياتك جحيم وحياة غيرك جنة، لازم تعرف أنّ معظم البشر بطبيعتهم بيبحثوا عن حياة أفضل، وكثير منهم عندهم نفس حُلمك وموجودين بالدولة الّي رسمت فيها آمالك وطموحاتك، لأنّ شعور النقص من طبيعة البشر، بس معاناة عن معاناة بتفرق.. في ناس بتهرب من البرد القارص، الضرائب والملل وفي ناس بتهرب من البطالة المدقعة، الفساد، ارتفاع الأسعار وخنق الحريات.

لازم تعرف إنك بس تترك وطنك، أنت مش عم ترتكب جريمة بحق حد، أنت عم تسعى لهدف، بس هذا الهدف لازم يكون مبني على منطق حتى ما تكون عالة خارج بلدك.. بس ترحل راح تلتقي بِأُناس طيبين بس ممكن تحس بالملل معهم لأنك تعودت على حكيات ونهفات ولاد بلدك، حتى الجو ونكهة الأكل راح تتغير عليك، ولازم تنسى معيار الأخلاق الّي تربيت عليه وتخليه لإلك، لأنه مافي معيار؛ الممنوع عندك ممكن يكون مرغوب وعادي عند غيرك، وأكثر شي مقدس.. ممكن عند غيرك مش مقدس.

في الغربة راح تشوف كائنات بشرية ميولها بيعارض مبادئك الدينية وأخلاقك الّي تربيت عليها، والاستهزاء منهم ومحاولة تنكيل حريتهم ممكن يعرضك لسحب إقامتك وطردك من البلد، ومن الوقاحة إنك تكون مُهاجر لبلد فتحلك أبوابه وقدّملك حياة كنت عم تتمناها وبنفس الوقت تَأمُر شعبه الّي عم يدفع ضرائب عشان تعيش شو يعمل وشو ما يعمل.. هل هذا رد الجميل؟ ثقافتك أيًّا كانت.. جيدة أم سيئة، فهي حسب معاييك أنت، لا تفرض ثقافة بلد تركته وتروح تفرضه على غيرك.

ما تخلي ساعة غضب تحولك لمجرم، همة مش ملائكة، عندهم أخطاء كباقي الشعوب، ممكن تتعرض للعنصرية بسبب دينك، لون بشرتك، بلدك أو حتى اسمك.. ممكن تعيش في الشارع لأنك ما لقيت شغل، ممكن تتعرض للإهانة والمذلة وأنت بعيد عن أهلك، ممكن تحس بفراغ عميق بداخلك يخليك تكره الحياة وما تلاقي حد يعبي هذا الفراغ إلا ناس عندهم نفس مشاعرك، ممكن يقنعوك تشتغل مهرب ممنوعات ويستغلوك وتقضي بقية عمرك خلف القضبان، أو ممكن تلتقي بحد يغسل دماغك ويقنعك أنّ الحياة مش مستاهلة تعب، وأقصر طريق للسعادة هو انك توخذ سيارة أو شاحنة وتروح تفرغ غضبك بانهاء حياتك وحياة عشرات الأبرياء.. وذنبهم الوحيد إنهم قابلوك بساعة غضب.

ناقش وكون إيجابي واحترم ثقافة غيرك وما تحاول تفرض شي حتى تحصل على نفس القدر من الاحترام، ومهما ضاقت فيك الدنيا، فاعرف إنك في النّهاية راح تجد الطريق. اغلط واعتذر واتعلم وصحح من أخطائك وانشر المحبة بين البشر، أو خليك في وطنك وطوّر من نفسك وكون إيجابي في مجتمعك، لأنك مهما كرهت وطنك راح تضل تربطك فيه علاقة عاطفية بكل الأوقات الجميلة الّي قضيتها فيه، وراح تحس بنقص إذا خسرته.

بلدك غني بتأريخه، موارده وعقوله وممكن يتغير لأنه ما بيفرق شي عن أي مكان ثاني ومش مستحيل يصير في مقدمة الأمم.. بس يا أسفاهُ على وطنٍ عاثَ الذئابُ بأرضهِ.

في النّهاية مافي دولة مثالية، والصورة الوردية الّي موجودة بدماغك لازم تعرف إنها كذبة مؤقتة، لأنه نحن عم منعيش في عالم مليان بالمشاكل، وما في دولة إلا وفيها عيوب، وهذي العيوب مش هتشوفها إلا لما تعيش خارج وطنك، وبدل ما تبحث عن أفضل دولة للحياة.. اعكس الآية وابحث عن إيجابيات وسلبيات الحياة في دولة ما، لأنّ كلمة أفضل تدل على المثالية، وكيف يكون في شي مثالي في عالم مليء بالعيوب؟