لا يأتي شيء من فراغ فكل ظاهرة في هذا الكون لها علّة ما وكل نتيجة مسبوقة بسبب والعقل البشري حين يحاول الفهم لا يمكنه أن يتجاوز هذه القاعدة الكبرى فالعقل لا يشتغل في الفراغ ولا يتنفس في العبث بل هو ككاشف ضوء لا يضيء شيئًا بلا طاقة والعقل ليست وظيفته أن يختلق الأسباب اختلاقًا بل أن يكتشفها ويُدركها عبر قوانين متعارف عليها لدى من يملكون أدوات النظر أي أهل العلم والاختصاص والذين يطيلون النظر فلا يقفزون إلى نتائج بدون أدوات أو مقدمات أما من يسقط من السماء نتيجة دون سبب فهو لا يستخدم عقله بل يطفو على سطح الخرافة التي ترتاح فيها العقول الكسولة حينما تتعب من الرحلة الطويلة في ملاحقة الأسباب والعلل فتلجأ إلى تفسير غيبي لا يربطه شيء بالعالم ولا بالمنهج ولأن الإنسان بطبعه لا يرضى بالجهل فإن النفس تحاول تغطيته بوهم معلوم أو جواب مرتجل وهذا ما يجعل الخرافة مغرية ومرضية لمن لا يملكون طاقة المنهج وسعة النفس في الصبر على الجواب الحقيقي المنهجي

الجهل والخرافة وجهان لعملة واحدة🎨

وهنا يجب أن نميّز بين نوعين من الجهل الجهل الذي يعلم صاحبه أنه جاهل فيبحث ويصبر ويسأل ويقرأ ويشك ويجتهد حتى يصل إلى جواب وهذا هو الجهل الصادق المنقذ ثم هناك الجهل المكابر الذي يظن صاحبه أنه يعلم فيصرخ بجوابه وسط السوق كمن يحمل راية بغير جيش هذا النوع هو ما يغذي التخلف وهو الذي يجعلنا نعيش في عالم تتوارث فيه المجتمعات أوهامًا مغطاة بكلمات مقدسة فإذا سألت عن العلّة قالوا لك حرام وإذا طالبت بالمنهج اتهموك بالوقاحة في حضرة الغيب إن كل شيء يحدث بسبب وما نعده مجهولًا إنما هو مجهول لنا فقط لا مجهول على الإطلاق والمشكلة ليست في وجود أسرار في الكون بل في قصور أدواتنا الذهنية والمنهجية عن إدراكها ومتى ما تطوّرت أدواتنا وعقولنا اتضح السبب وانكشف المجهول فالمشكلة فينا لا في الحقيقة والعالم لا يتعمد أن يحتجب عنا لكننا نرفض أن نزيح الحجاب عن عيوننا والعقل هو اليد الوحيدة التي يمكن أن تسحب هذا الحجاب شرط أن نثق به ونتبعه حتى في الأماكن التي يخيفنا أن نراها الإنسان الذي يعيش في الخرافة يظن أنه محمي لكنه في الحقيقة عارٍ من الحقيقة والإيمان الذي يمنعك من أن تسأل ليس إيمانًا بل خوف والإيمان الذي يغلق عقلك ليس إيمانًا بل طاعة عمياء والتفسير الذي لا يبنى على تراكم علمي ولا على نظام من الأسباب هو إساءة للعقل والدين معًا إذ لا يرضى الله عن قوم يجهلون ثم يرضون عن جهلهم ولا عن قوم يُقدّسون ما لا يفهمونه

السؤال بداية الإيمان لا نهايته🤍

ونحن إذ نكتب هذا لا ننكر أن هناك ما لا يُدرَك اليوم ولا غدًا ولكن هذا لا يبرر أن نرفض الطريق إلى الإدراك وليس من المنهج العلمي أن نستبدل المجهول بخرافة مقدسة بل أن ننتظر أدوات العلم أن تتطور والعقل أن يتوسع والرؤية أن تتضح ولعلنا نضيف هنا تساؤلات لا تقل أهمية ما الذي يجعل الخرافة مريحة إلى هذا الحد ولماذا نفضل جوابًا سريعًا خاطئًا على سؤال مؤجل صادق وهل يكفي أن نقول لا ندري أم يجب أن نختلق جوابًا بسلطة الدين أو العرف وهل الإيمان يجب أن يكون خصيمًا للعلم أم حليفًا له الذي نراه أن الإيمان إذا كان حقيقيًا فهو يفتح الباب لا يغلقه ويشجع السؤال لا يمنعه ويقود إلى العلم لا ينكره وأما الإيمان الذي يخاف من العلم فهو ليس إلا غلافًا لخوف دفين من زوال الهيبة أو فقدان السيطرة وهذا النوع من الإيمان هو ما أهان الدين قبل أن يهينه غيره

نداء إلى العقل والمنهج📝

إننا في حاجة إلى عقل لا يرضى بالتقليد ولا يتوقف عند أول جواب بل يسير حتى النور حتى لو كان النور بعيدًا ونحتاج إلى تعليم يُنشئ إنسانًا يسأل لا إنسانًا يُلقّن ونحتاج إلى إعلام يعظّم المنهج لا المعجزة ونحتاج إلى أن نغرس في أطفالنا فكرة بسيطة أن لا شيء يأتي من فراغ وأن كل ما لا نعرفه له سبب ولكننا لم نعرفه بعد فقط!