هل علينا أن نتقبل أحياناً أننا بلا قيمة بالنسبة للآخرين؟

أعني كثير منا في بداية حياته يسعى ليكون عضواً فاعلاً في مجتمعه فيبذل الجهد والطاقة في تحقيق إنجازات يبحث عن صداها في عيون المجتمع والمقربين، وما إن يعلن عن إنجازه ويطلب الاهتمام والرأي، حتى يتفاجئ بالانشغال غير المبرر والتجاهل التام، لدرجة تقنعه بأنه لو لم يعلن عن إنجازه لما سأله عنه أحد،وأن كل اهتماهم السابق ما كان إلا فضاً للمجالس ومجاملات اجتماعية بسيطة، لم يرد في خلد من قام بها بأنهم سيطالبون بتحقيقها على أرض الواقع، وهنا يبدأ إحساس الدونية وإنعدام القيمة يتسرب إلى النفس شيء فشيء ويتحول الحلم إلى كابوس، ولكن أين بدأت المشكلة بالتحديد؟!

أليس من الطبيعي أن يحاول الفرد الإندماج في مجتمعه من خلال عرض إمكانياته وقدراته والاستفادة من خبرات الآخرين؟ لماذا أصبح الأمر بهذه الصعوبة هذة الأيام؟!

ولا أجد لكل هذا إلا تفسيراً واحداً نحن جميعاً نشعر بأننا بلا قيمة، فلا يتمكن أحد منا من رفع معنويات أخيه لأنه بدوره يحتاج لمن يرفع معنوياته، وبسبب طبيعة الحياة المادية السطحية التي نعيشها اليوم، تم ربط الوقت بالمال، وصار كل فرد يفكر في كم من الوقت يحتاج لجني أكبر مبلغ من المال، على حساب الاسرة والاصدقاء والمجتمع، وحينما لا يجد ذلك الفرد من يدعمه بسبب انشغال الجميع مثله بنفس الفلسفة المادية، يزداد إنعزالية وحزناً وينقم على الحياة وعلى الناس، ولقد بات واضحاً لنا كثرة المنشورات التي تشتكي من شح المشاعر وغربة الروح التي بتنا نعيشها جميعاً هذه الأيام.

والمشكلة أن السبب في كل ذلك ليس خارجياً، فالظروف المادية والمشاكل لم تمنع المجتمعات القديمة من تكوين روابط مجتمعية أصغر فيما بينها، فكان لكل شيء وقته،ولم يكن للعمل إلا وقت محدد فقط، والباقي يوزع بين الأسرة والأصدقاء، وكان الفرد في تلك المجتمعات يشعر بقيمته ويتقبل دوره دون مشاكل، فما الفارق اليوم بيننا وبينهم؟!

ومن العجيب أن نرى بعض الناس يحاول الانتماء إلى كيانات ثانوية كالنوادي والأحزاب والجمعيات وغيرها، وهو غير مهتم فعلياً بنشاط تلك المؤسسات، إلا أنك حين تسأله يجاوبك بأنه يشعر أنه جزء من كيان أكبر، وهنا تبرز المعضلة، فما دامت الحاجة ماسة إلى تكوين روابط مجتمعية تشعر الفرد بقيمته وتزيد من رغبته في المشاركة والاستفادة من تجارب غيره، لماذا يعزف المجتمع عن ذلك ويحاول كل شخص أن يبقى وحيداً ظناً منه أنه بهذة الطريقة سيكون أكثر أمانا وإنجازاً، لماذا يتم الترويج للعزلة على أنها حل سحري، رغم أن لا أحد يطيقها؟!