أريد جوابا علميا بأن التدخين يفطر الصائم...!
قال لي هذه الجملة أحد الأحبة ولم يكن في الوقت متسع لجواب تفصيلي، فخصصت البارحة وقتا للجواب لكن سبحان الله ما حدث ما أريد وإنما حدث ما يريد الله والله عزيز حكيم، فإن شاء الله سأردف مقدمتي هذه بالجواب بما ييسر الله ويفتح علي من أبواب التوفيق.
فبسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه...
أما بعد...
فإن هذه العبارة...
(((أريد جوابا علميا بأن التدخين يفطر الصائم)))
تأخذ بك إلى منحى بعيد وتجعلك تدرك واقعا مؤسفا وفهما للحياة ليس بصائب وهذا أقل ما يقال فيه.
فالقصد من هذه العبارة وما ماثلها على الأغلب يعطيك إشارة بالآتي...
(((لا أريد جوابا يقوم على أسس شرعية وإنما أريد جوابا يقوم على أسس فيزيائية أو كيميائية أو طبية أو...الخ)))
وهذا يعني شيئا واحدا لا غير له ولا يمكن تثنيته، وهو اننا فصلنا تماما الدين عن العلم وجعلناهما شيئان لا يتقاطعان في نقطة فيكون سؤالنا إعجازيا بهذا الشكل (كما نفكر ونعتقد طبعا)
يعني أقول لك أجبني على السؤال الفلاني ولكن أجبني جوابا علميا بحتا ولا تقل لي آية أو حديثا أو قواعد فقهية متفق عليها.
والسؤال يكون متضمنا لمسألة الجواب عليها يكون إما ب (حلال أو حرام)
وهذا تناقض كبير جدا وابتعاد عن أسس المنطق وقواعده وثوابته التي عليها الأدلة كثيرة لا يمكن نكرانها من ذي عقل سليم.
والتناقض هو الآتي...
انا أسألك سؤالا أريد جوابا عليه ب (حلال أو حرام) والحلال والحرام شرع طبعا والشرع هو دين بمعنى آخر فالدين هو ما شرعه الله ورسوله، ولكن أقول لك لا تعطني جوابا يقوم على أسس شرعية وإنما يقوم على أسس علمية، على اعتبار أن الدين ليس علما يحسب مع باقي العلوم.
فكيف يكون ذلك؟! وكيف تجمع بين هذا وذاك؟!
يعني كيف تقول لشخص أريدك أن تركض ولكن ليس على رجليك.
هذا من جانب واعتبار وتعال معي أعطيك الحق والبرهان...
أمَا إننا عندما نقول أريد جوابا علميا فهذا يعني واحد من اثنان...
أما أننا نعتبر الدين ليس علما وإما أننا نعتبر باقي العلوم أهم من الدين الذي هو شرع الله في خلقه وحكمته وعلمه.
وهذا ضلال وضياع وتضييع لمقاصد الخلق...
فالله عز وجل لما خلق الخلق ومدّ الأرض وجعل الليل والنهار وأسبغ على الخلق نعمه ظاهرة وباطنة وجعل في هذا الكون مخلوقات لا تعد ولا تحصى فأبدع سبحانه أيما إبداع، إذا نظرت في خلقه رأيت حكما عديدة ومناظر بديعة.
فالله عز وجل هو العليم الحكيم الذي بيده مقاليد كل شيء فهو سبحانه يلهمنا من حكمته ويعلمنا من علمه ما يشاء وما أوتينا من العلم إلا قليلا لندبر أمور حياتنا به ونجعله وسيلة تنطلق بنا لعبادة ربنا الخلاق العليم فلا يجب أن نغتر بهذه العلوم ونستخدمها في غير مرضاته سبحانه فإن فيها مع النفع فتنة والإنسان له خيار الاختيار بين النفع والفتنة ولكن ليس له خيار اختيار العقاب أو الثواب الحسن بعد أن يختار بين الأولين.
فبعد ان نتفق على أن العلوم كلها أساسياتها وفرعياتها وبجميع جوانبها من علم الله وفيها من الفتن ما يجب أن نحذر منه لأننا بذلك نُختبر.
بعد أن نتفق على ذلك، يجب أن نزيح النظر إلى نقطة في غاية الأهمية وهي ما يجعلنا نعظم هذا العلم (العلم الشرعي) من باقي العلوم ونجعله مقياسا نقيس عليه باقي العلوم في التمحيص والتدقيق والأخذ والرد وهو أن الله عز وجل بعلمه وحكمته وقوته وعزته وجلاله قد اختار هذا العلم (العلم الشرعي) قوانينا ودينا يأمر بها العباد بالبر وينهاهم عن الشر، فقد أنزل الله عز وجل رسله وعلمهم (العلم الشرعي) وهو تشريع الله في خلقه وما أحل لهم وحرم عليهم فلم يبعثهم بما يسمى بعلم الفيزياء مثلا ولا الكيمياء ولا الأحياء ولا الفلسفة ولا حتى الطب البدني ولا غيرها...
مع أن في كلام ربنا عز وجل وفي كلام رسوله وحبيبنا وهديه (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا) حكم كثيرة نسندها الآن إلى علوم من هذه فنقول (أثبت علم الطب الحقيقة الوارد في الآية الفلانية أو الحديث الفلاني) أو (سبحان الله طابق الحديث الفلاني حقيقة علمية توصل لها العالم الفيزياوي الفلاني) (وهل سمعت بهذا العالم الكيمياوي الذي يستشهد بحديث بعد أن وافق حقيقة علمية فجعله يسلم؟!)
وهذا كله وإن كنا نقوله بهذا الشكل فليس بصحيح من جانب المعنى الذي يشمل (الفصل) بين ما يسمى بعلم الأحياء والفيزياء والكيمياء وغيرها عن الدين الذي هو العلم الشرعي على اعتبارها علوم أساسية في الحياة وأننا نحتاجها في أمور معيشتنا بينما العلم الشرعي نلتجأ إليه في حالات معينة ومحدودة وهي عندما نحس بأن أمرا ما يلامس الحلال والحرام.
هذا تفكير لا يمكن أن يكون صحيحا أبدا بأي حال من الأحوال...
فانت تحتاج العلم الشرعي في كل صغيرة وكبيرة من حياتك وفي كل أمور حياتك أساسا وهو الأساس الذي يبنى عليه لأنه ببساطة العلم الذي اختاره الله ليكون التشريع قائما على أسسه إن كان تعبيرا صحيحا.
فالعلوم لا تنقسم إلى كذا وكذا ولكن نحن قسمناها بنو البشر لنستطيع دراستها وإلا فانت إذا أكلت لقمة واحدة تستطيع أن تحللها بعدة علوم فكل هذه الجوانب تشترك فيها من فيزياء وكيمياء وأحياء وطب ولا يمكنك الفصل بينها إلا لغرض توضيحي وإلا فلا تستطيع أن تجعل الشيء لا يتحكم به إلا علم واحد لا غير فهذا لا يرد لعقل سليم حليم.
فهذه نقطة أساسية ولا أريد الدخول في تفاصيل أكثر حتى لا نبتعد عن سؤالنا الأول ولكن بعد أن نفهم بأن العلم الشرعي هو أساس العلوم التي صنفناها والجواب الذي نحصل عليه من حديث أو آية هو أقوى وأثبت جواب يمكن أن تحصل عليه لأنه جواب يستند على دليل من موجد الوجود وخالق الأكوان وأما الحديث فكلام الحبيب (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا) وهو رسول رب العالمين فما يقول إلا ما هو مكلف به من رب العزة والجلال وما فيه الحقيقة والحق والبرهان...
فالدين هو شرع الله وشرع الله هو العلم الذي رضيه رب العزة أساسا لقوانين الكون التي تنظم العلاقات وتحفظ النظام بضوابط صحيحة سليمة.
أما الجواب العلمي على أن التدخين يفطر الصائم فسهل يسير الجواب عليه لا يتعدى كلمات قليلات ونفسا يسيرا من أخذ به أخذ ومن رده فهو مخير في ذلك ولكن ليتذكر أنه ليس مخيرا فيما بعد بين الثواب والعقاب إن ترك الحق جانبا.
وانا أحب القاعدة التي تقول...
(انا مسؤول عن كلامي وانت مسؤول عن فهمك)
فالجواب العلمي أن التدخين يفطر الصائم.
هو الآتي...
الصيام هو تأديب للنفس وترويض لها وتعليم لها بأن ما موجود من شهوات في هذه الدنيا لست حرة فيها حرية مطلقة ولم توجد هذه النعم إلا لتذكرك بخالقها وموجدها وتعلمي أيتها النفس أن النعم تتوفر اليوم وغدا انت منها محرومة فلا تعبديها وتنقادي لها أينما ذهبت تذهبين وإنما اجعلي يا نفسي عبادتك خالصة لله فإن تهيأت لك النعم فالحمدلله أولى بك أن تقولي، وإن لم تتوفر فلله حكمة في ذلك وله الحمد والشكر...
وأما التدخين فهو مما تشتهيه النفس، وما تشتهيه النفس قد يكون حراما أو حلالا.
وإن كان هذه أو تلك فهو يفطر الصائم لأن الصيام ابتعاد عن ما تشتهيه النفس.
وأما إن قال القائل انا اتنفس الهواء ويمكن أن أعتبر الدخان (السكائر) مثل الهواء فالدخان لا يفطر الصائم.
فالقول له أنك جمعت بين أمرين أحدهما ضرورة والآخر زيادة مؤذية، ففي هذا تناقض...
فأما الهواء فهو ضرورة فانت لا تتنفس لأن نفسك تشتهي الهواء وإنما لأن ذاك ضرورة من ضرورات الحياة.
ولكنك تدخن لأنك تشتهي التدخين مع علمك بمضاره وانت تعلم أنك أدخلت نفسك في طريق سيكون عليك أن تكون ذو عزم للخروج من هذا الطريق مع أنك كنت تستطيع أن تبقى إنسانا مرتاحا لا تعرف للتدخين معنى والآن تستطيع ترك التدخين وهذا لا يضرك إلا وقتا يسيرا وبعدها في ذاك نفع عظيك لك.
فلا يمكن الجمع بين هذا وذاك...
في المقال مزيد ولكن الوقت لا يسمح وأعتقد أن في هذا كفاية لإيصال الفكرة إن شاء الله...
هذا والله أعلم ولله العلم والحكمة جميعا...
#ياسين_جبار
#دكتور_برقل
#طويلب_علم
#YASSIN_ZB_Y_CN
2_4_8_3_6_9
التعليقات