بسم الله الرحمن الرحيم

الخيال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن للخيال نفع كبير قد يغفل عنه كثير من الناس, حيث أن الكثير من الأفكار التي تراودنا سواءً كانت إيجابية أو سلبية لها فائدة عظيمة, إذا استطاع الإنسان استغلالها والاستفادة منها, فعندما يفكر رجل أعمال ما بأن استثماره في شيء معيّن قد لا ينجح وقد يُخسره أمواله, رغم أن الكثير قد ربحوا في هذا المجال, فلا يجب أن تُرى هذه الأفكار على أنها تشاؤم أو مجرد تفكير سلبي يُقعده عن حصوله على أرباح هائلة, بل يمكن رؤية هذا التفكير على إنه تحذير من مستقبل واحتمال جائز الحدوث, فيمكن لرجل الأعمال هذا أو المستثمر أن يأخذ حذره فلا يستثمر بالكثير من أمواله حتى لا يخسرها كلها في حالة حدث ما كان يخشاه, بل يستثمر بما يجد إنه لا يُفقده الكثير وقد يُربحه الكثير, فيبقى في وضع آمن في كلا الحالتان سواءً ربح من استثماره أو خسر, وكذلك الأمر إن حاول هذا الرجل أن يُنشئ مشروع جديد وراودته فكرة معينة بأن المشروع قد يخسر, فبدل أن يجعل هذه الفكرة تثنيه عن مشروعه, أو بدل أن يتجاهلها وكأنها لا يمكن ابداً أن تحدث رغم إن احتمالية حدوثها جائزة وليست مستبعدةً كثيراً, فله أن يفكر في طريقة يتجنب بها الخسارة الكاملة, كمثل إشراك آخرين معه في المشروع فيتقاسمون كلهم في وضع رأس المال, على أن يبقى كلاًّ منهم في أمان من الخسارة الكاملة, بحيث لا يكون أحداً من الشركاء قد وضع كل أمواله أو نصيباً كبيراً منها في المشروع, حتى إذا خسر المشروع لن يخسروا الشركاء كل أموالهم أو معظمها, مع إمكانية أن يربحوا كل الشركاء الكثير في حالة نجح المشروع, وإذا حدثت الخسارة كما فكر صاحب المشروع الأول فلن يتحمّل لوحده كامل الخسارة بل ستُوزّع بين الشركاء, فتُصبح الخسارة أخف وطئاً على الجميع, وبذلك يكونوا قد نجوا من الخسارة الكاملة إذا حدثت الخسارة وفشل المشروع, أما إذا ربح المشروع ونجح فقد يكون الربح كبيراً لهم كلهم. وإذا شعر امرؤ ما أو راودته أفكار سلبية بأن زوجته ستكرهه مع الوقت وقد تطلب في النهاية الطلاق بسبب جفائه معها وغلظته وقسوته على اطفالهما, فيستطيع أن يُغيّر من نفسه ويستبدل كل ذلك بالحب والاهتمام والرعاية واللين والرحمة, فيتجنّب المصير الذي فكر فيه ويتدارك الأمر قبل أن تتشكل بالفعل فكرة الطلاق لدى زوجته.

وللمرء أن يقرأ عن تجارب الآخرين الذين كانوا في نفس مجاله, ليكتسب الحسّ المرهف فيما يخص مجاله, حتى يساعد الأفكار الإيجابية أو تلك الأفكار التي قد يراها الكثيرين أفكاراً سوداوية ومتشائمة, أن تأتي إليه وتراوده طيلة مسيره في مجاله الذي يعمل فيه, حتى يستطيع أن يضع خططاً مسبقة للتصرف مع كل حالة قد تصيبه أو تحدث له, فإن كانت الأفكار إيجابية وخيّرة كان له أن يضع الخطط في كيفية الاستفادة من تلك الحالات الإيجابية في حالة حدوثها له, فيكون بذلك مستعداً تماماً لها ولن تكون مفاجئة له فيستطيع الاستفادة منها واستغلالها كما يحسن به أن يستغلها, وإن كانت أفكاراً سلبية فله أن يجنّب نفسه الوقوع في مثل هذه الحالات السيئة بأن يضع خططاً في كيفية تجنبها قدر المستطاع وفي كيفية التعامل معها إن حدثت بالفعل. فمثلاً إن راودت أحدهم فكرة بأنه قد يُفصل من عمله فله حينها أن يفعل ما يستطيع لتجنب مثل هذا الاحتمال بأن يلتحق بدورات عديدة في مجال عمله ويحصل على الشهادات التي قد تساعده في عمله, وقد يعمل بجد ويقبل بساعات العمل الإضافية بانشراح صدر وطيب خاطر, ليحوز على رضى مسؤوليه فيعطوه مهام أكبر وأهم, أو يبحر في القراءة عن مجال عمله, ليُصبح واسع الاطلاع بما يخص مجاله, فيُصبح سنداً لمسؤوليه وداعماً لمرؤوسيه, فيدفع عنه مثل هذا الاحتمال الذي قد يُفصل فيه من عمله بأن يجعل من نفسه موظفاً مطلوباً ومن الصعب الاستغناء عنه.

وإن شعر طالب ثانوية بالخوف من أن يحصل على معدّل غير كافي لدخوله التخصص الذي يريده, فله أن يفكر على الفور في تخصص آخر بديل يكون المعدل المطلوب فيه أخفض قليلاً, وله أن يحرص بعد ذلك بأن لا ينزل معدله كثيراً حتى إذا لم ينجح في دخول التخصص الأول لم يخسر كذلك التخصص الثاني البديل.

وكل ما على المرء أن يفعله أن يجعل خياله خصباً ليفكر في كل الاحتمالات الممكنة ليضع خططاً لكلّاً منها حتى يتجنّب الخسارة الكاملة, وإن نجح كان لديه الخطط الجاهزة في كيفية استغلال نجاحه الاستغلال الأمثل... هذا والله أعلم.