لم يثر سؤالاً ما قلقاً في العالم الغربي قلقاً في 30 سنة الأخيرة مثل سؤال المتعلق بمكانة الدين في الحياة العامة، إذ على الرغم من العلمنة الظاهرة في الحياة العامة والتي بدأت منذ بداية عصر التنوير وبلغت قمتها في القرن الأخير، حيث شهدنا تحول فرنسا لعلمانية راديكالية والتي تفصل بين الدين والدولة بشكل متشدد، وشهدنا العديد من القرارات للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية والتي قادت لنتيجة مقاربة بدرجة بسيطة لفرنسا، وشهدنا اندثار العديد من العادات والتقاليد بأوروبا ذات جذور دينية. ألا أن اليوم تغير الوضع وذلك في ظل صعود التيارات اليمينية والتي يتمسك البعض منها بالهوية المسيحية وضرورة الإبقاء على الدين في الحياة العامة هذا من جهة، ومن جهة أخرى شهدنا تدفق ملايين من المهاجرين المسلمين لأوروبا، والذين يؤمنون بواقع الحال بضرورة تطبيق الشريعة في المسائل العامة والخاصة، والذي يعني أن المسلمين يؤمنون بضرورة تواجد الدين في الحياة العامة.

       عليه قادت هذه العوامل جميعها لعدد كبير من القضايا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي كانت تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بمكانة الدين في الحياة العامة، وتنوعت هذه القضايا من قضايا تتعلق بتدريس الدين في المدارس العامة، لقضايا تتعلق بازدراء الأديان أو انتقادها، ولقضايا تتعلق بتواجد الرموز الدينية بالحياة العامة مثل الحجاب أو الصليب. وسببت هذه القضايا انقساماً شديداً بين مؤيد لأقصاء الدين من الحياة العامة، وبين رافض لإبعاد الدين بالحياة العامة.

       ومن بين هذه القضايا هي قضيتي لاوتسي ضد ايطاليا في العام 2009 وفي العام 2011، وتعلقت هذه القضية بسؤال أساسي مفاده، هل يمكن تواجد رمز ديني مثل الصليب على جدران المدارس العامة؟، قد يبدو جواب هذا السؤال سهل جداً، إذ سيرى العديد من القراء أن الصليب مجرد رمز ديني ما تأثيره على الطلاب وما علاقته بفصل الدين عن الدولة؟ إلا أن جواب هذا السؤال بعيد كل البعد عن السهولة فهو معقد لأقصى الحدود، ويمكننا بيان تعقيده من خلال الإشارة لنص المادة 2 من البروتوكول الإضافي الأول من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي نصت على:

"لا يجوز أن يحرم أي إنســان حقه في التعلم. في ممارســة المهام التي ســتتولاها الدولة فــي مجال التربيــة والتعليم، عليهــا احترام حق الوالديــن في تأمين هــذه التربية وهــذا التعليم وفقــاً لمعتقداتهم الدينية والفلسفية".

       وهذا يعني في حقيقة الأمر أن مسألة تعليم الأطفال في بيئة مليئة بالرموز الدينية أو تعليم الأطفال ديناً قد يعارض دين الوالدين أو معتقداتهم قد يفضي لحصول انتهاك لهذه المادة، وبالتالي فعلى المحكمة أن تفصل فيما ما إذا كان عرض الرموز الدينية في المدارس العامة قد يفضي إلى تعليم الأطفال أفكار أو معتقدات تخالف دين الوالدين. إما الجانب الآخر، والذي أراه شخصياً هو جانب التعقيد الاكبر في هذه المسألة أو أساسها، يتعلق بسؤال مفاده، هل يتوافق عرض الصليب في مدرسة عامة بدولة من المفترض أن تكون علمانية؟ ومن المعروف لدى الكثير بأن التعريف البسيط للعلمانية، هو فصل الدين عن الدولة، فكيف من الممكن أن توفق الدولة بين العلمانية وعرض الصليب في المدارس العامة؟

       وعلى ذلك سنسعى في هذا المقال للإجابة عن سؤال جوهري ومهم، يتعلق بموقف قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من عرض الصلبان في المدارس العامة في سياق قضية لاوتسي.

       وتبعاً لذلك، سنبحث في هذا المقال أولاً عن قضية لاوتسي الأولى، ثم عن عوامل عدول المحكمة عنها، وأخيراً عن قضية لاوتسي الثالثة.

أولأً: قضية لاوتسي الأولى:

       لم تثر أي قضايا اهتماماً وانقساماً فقهيا كما فعلت القضايا المتعلقة بعرض أو ارتداء الرموز الدينية، ومن هذه القضايا هي قضية لاوتسي ضد إيطاليا، والتي بلغ تأثيرها حد تداخل العديد من المؤسسات الدينية، مثل الفاتيكان والكنيسة الأرثدوكسية في روسيا، إذ رأت كل من الكنيسيتين أن اعتبار عرض الرموز الدينية مخالفة للاتفاقية، يشكل فرض نوعاً من علمنة راديكالية للحياة العامة، وطالبت كل من الكنيستين وغيرهما من المؤسسات الدينية إعادة النظر بهذه القضية، الأمر الذي دفع المحكمة للاستجابة لهما.

وتتمثل وقائع قضية لاوتسي ضد إيطاليا، بقيام السيدة سولي لاوتسي برفع دعوى نيابة عن أبنيها، واللذان كانا طالبان في مدرسة عامة، وذلك بسبب وضع هذه المدرسة صلبان على جدرانها. حيث رأت السيدة أن عرض الصلبان في المدارس العامة سيحرمها من تربية أبنائها بالطريقة التي تراها مناسبة [1].

وما يمكن ملاحظته، أن سلوك هذه المدرسة بعرض الصلبان ليست مسألة مستحدثة من قبلها، إذ عرضت الصلبان لمئات الأعوام في المدارس الإيطالية، وصدرت العديد من المراسيم والقوانين التي الزمت بعرض الصلبان في المدارس العامة. فعلى سبيل المثال صدر مرسوم ملكي في مملكة ساردينيا الإيطالية في العام 1861 [2] والذي الزم جميع المدارس بعرض الصلبان، ولم يختلف الحال عما سبقه في عشرينيات القرن الماضي، إذ واضبت الحكومات الإيطالية المتعاقبة على منح امتيازات للكنيسة الكاثوليكية والزمت بعرض الصلبان في المدارس العامة. وحتى مع صدور القانون رقم 121 في العام 1985 والذي فصل بين الدين والدولة، لم ترفع الحكومة الإيطالية الصلبان من المدارس العامة [3].

 وبالعودة للقضية، أن السيدة لاوتسي قد أبدت قلقها منذ اجتماع نظمته المدرسة في العام 2002، وطالبت المدرسة برفع الصلبان، ولرفض المدرسة طلبها، رفعت السيدة دعوى في محكمة فينتو الإدارية، لكن بينت المحكمة أن الدعوى ليست من اختصاصها وانما مسألة تقع ضمن اختصاص المحكمة الدستورية، ولذلك احالت الدعوى للمحكمة الدستورية الإيطالية. ردت المحكمة الدستورية الدعوى، لنفس السبب مبينة أن الدعوى تقع ضمن نطاق القضاء الإداري، وذلك لأن القواعد القانونية التي تنظم عرض الصلبان في المدارس العامة، قد نظمتها أنظمة لا التشريعات [4].

 وحينما نظرت الدعوى من قبل محاكم القضاء الإداري مجدداً، بينت المحكمة أن عرض الصلبان أمر مشروع، وأنها رموز ذات قيمة تاريخية تبرز من خلالها تاريخ إيطاليا ، ولذلك من المعقول أن تعرض في المدارس، كما أكدت المحكمة بأن عرض الصلبان في المدارس العامة لايعتبر تلقيناً للأطفال للايمان بمعتقد ما. طعنت المدعية فيما بعد بالحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، ولم تغيير الأخيرة عما جاء من حكم من قبل محكمة القضاء الإداري [5].

لذلك، رفعت السيدة لاوتسي دعوى أمام المحكمة الأوروبية مبينة حصول انتهاك لحقها بتعليم أبنيها بما يتلائم مع معتقداتها، والذي يعني انتهاك الحكومة الإيطالية حقها في المعتقد بموجب الفقرة الأولى من المادة 9 وحقها بتربية ابنائها بما يلائم معتقداتها بموجب المادة 2 من البروتوكول الأول. إذ نصت الفقرة الأولى من المادة 9 على:

"لكل شــخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين. ويســتلزم هذا الحــق حرية تغيير الديــن أو المعتقد، وكذلك حريــة إظهار الدين والممارسات وإحياء الشعائر. وفي العلن أو في السر والمعتقد فردياً أو جماعياً، وفي العلن أو في الســر، بالتعبد والتعليم" [6].

 ونصت المادة 2 من البروتوكول الأول على

"لا يجوز أن يحرم أي إنســان حقه في التعلم. في ممارســة المهام التي ســتتولاها الدولة فــي مجال التربيــة والتعليم، عليهــا احترام حق الوالديــن في تأمين هــذه التربية وهــذا التعليم وفقــاً لمعتقداتهم الدينية والفلسفية" [7].

 كما بينت أيضا، بأن عرض الصلبان لا يمكن إلا أن يكون ذو قيمة دينية ، وان عرضها من قبل المدارس يعني ضمناً بأنها فضلت المسيحية على بقية الأديان والمعتقدات. وردت الحكومة الإيطالية على إدعائها، مبينة بأن عرض الصلبان في المدارس العامة لا قيمة دينية له، حيث يعتبر الصليب رمزاً ثقافياً يعبر عن الأمة الإيطالية. ولا يمكن أن يشكل انتهاكاً لأحكام الاتفاقية [8].

 وعند نظر الدعوى من قبل المحكمة الأوربية، بدأت بالإشارة لمسألة مهمة، وهي ان عرض الصليب في المدارس العامة، قد يراه الكثير من الأشخاص على أنه يجعل بيئة التدريس ذات طابع ديني، وبأن عرض الرموز الدينية بهذه الطريقة يقيد حق الوالدين بتعليم ابنائهم بما يلائم معتقداتهم وحق الطلاب بالإيمان أو عدم الإيمان. وبينت المحكمة صعوبة اعتبار الرموز الدينية في المداس العامة رموزاً ذات أثر سلبي خامل لا يؤثر على الطلاب. ولا يمكن اعتبار عرض الصلبان حماية للتعددية التعليمية والتي تعتبر جوهرية لحماية النظام الديموقراطي، مما يعني أن عرض الصلبان أو الرموز الدينية في المدارس العامة يعتبر تلقيناً للأطفال [9].

ثم انتقلت المحكمة للتأكيد على أن للرموز التاريخية نوعين، رموز ذات قيمة تاريخية محضة ورموز ذات قيمة تاريخية يطغي عليها الطابع الديني. اشارت المحكمة لسابقتها وهي قضية Buscarini v. San Marino في العام 1997، والتي تتمثل وقائعها بأن أعضاء مجلس أوروبا كان مطلوباً منهم أداء القسم "على الأنجيل المقدس"، وحكمت المحكمة حينما عرضت القضية عليها ببيان أن الطبيعة التاريخية والاجتماعية لقسم اليمين لا يمكن أن تجرد القسم من طابعه الديني [10]. وعلى ذلك بينت المحكمة أن عرض الصلبان مثله مثل القسم لا يمكن أن يجرد من طابعه الديني حتى وبعد ترسخه كعادات في داخل المجتمع [11].

وأشارت المحكمة أخيراً، أن واجب "الحياد الطائفي" الملقى على عاتق الدول الأطراف يفضي لحصول انتهاك لأحكام الاتفاقية، إذ أن عرض الصلبان في هذه المدارس يميز بين الطوائف المسيحية، ويلزم هذا الواجب الدول برفع الرموز الدينية من الأماكن العامة، وبالتالي فقد انتهكت الحكومة الإيطالية الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان [12].

ثانياً: العوامل الخارجية لعدول المحكمة عن سابقة لاوتسي:

لم يمر قرار المحكمة الأوروبية في قضية لاوتسي الأولى في العام 2009 بسلام، بل نددت العديد من الدول المنظمات والمؤسسات بقرار المحكمة الأوروبية وطالبت المحكمة بالعدول عن قرارها، وطالبت هذه الدول والجهات والمنظمات المحكمة الأوروبية بإعادة النظر بقرارها، الأمر الذي دفع للمحكمة بالنظر بالدعوى مجدداً، وحكمت بالعام 2011 بنقض قرارها السابق، وممن اسهموا بحصول هذه النتيجة الحكومة الإيطالية والفاتيكان، والكنيسة الأرثدوكسية وحكومات دول أوروبا الشرقية مثل روسيا، وأرمينيا، واليونان، وقبرص، ومالطا ورومانيا [13].

وفي الواقع فإن التأثير الذي حصل من قبل المؤسسات الدينية على المحكمة كان كبيراً، ويمكننا معرفة حجم هذه التأثيرات حينما نقرأ المذكرات التي أرسلوها أصدقاء المحكمة الأوروبية، ومن ضمن هذه المذكرات كانت مذكرة مركز أوروبا للقانون والعدل [14] والتي دعمت موقف الحكومة الإيطالية حينما بينت أن:

"إن حكم المحكمة الأوروبية الذي أصدرته في تشرين الثاني، قد جعل المحكمة تخرج عن نطاق مهامها القانونية الموكلة إليها بموجب الاتفاقية، وجعلها تدخل في نطاق المهام السياسية والإيديولوجية" [15].

وأكد مدير المركز على أن

"هذه القضية قد جسدت نهج من يسعون لعلمنة أوروبا وتطهير الحياة العامة من أصولها المسيحية".[16].

أما على الصعيد الدبلوماسي، فكان للكنيسة الأرثدوكسية دوراً دبلوماسياً مهماً في هذه القضية حيث دعى الكرسي الرسولي في موقع الكنيسة الرسمية إلى "حرب مقدسة ضد العلمانية" [17]، وأرسل السفير الإيطالي في موسكو شكر والامتنان للكنيسة الارثدوكسية واصفاً الكنيسة الأرثدوكسية بكونها "الحلف المهم الذي ساهم في إعادة النظر بقرار المحكمة" [18]، وما يبين موقف الكنيسة هي الرسالة التي أرسلت من قبل قس روسي لوزير خارجية الفاتيكان والتي ذكر فيها:

"نحن نرى هذه القضية محاولة من المحكمة لفرض علمانية راديكالية في كل مكان حتى ومع تنوع التجارب الوطنية في علاقة الدين والدولة في أوروبا. ولا يعد هذا القرار هو القرار الوحيد الصادر من المحكمة الذي كانت نغمته تعادي المسيحية، حيث باتت المحكمة الأوروبية منفصلة عن الواقع التاريخي والقانوني الذي تعيش فيه معظم أوروبا. وباتت تروج لنموذج متطرف من الايديولوجيا الليبرالية [19].

ومن جهة أخرى أرسل البطريرك الروسي رسالة لرئيس وزراء الحكومة الإيطالية السابق في تلك الفترة سليفو بيرلسكوني ذاكراً فيها:

"لا يجب أن تنظر مؤسسات حقوق الإنسان الأوروبية في مسألة الارث المسيحي لأوروبا. أن الرموز الدينية قد زينت الحياة العامة الأوروبية، وهي جزء من الهوية المسيحية والتي من دونها لا يمكن أن نتصور شكل لا ماضي ولا حاضر القارة الأوروبية. يجب ألا تستخدم العلمانية كإيديولوجيا معادية للدين، والتي باستخدامها هذا ستعكر صفو المجتمع، وتمييز بالضد من ديانة الأغلبية المسيحية" [20].  

وعلى ذلك شكل التحالف بين الكنيستين الأرثدوكسية والكاثوليكية وإيطاليا وروسيا وغيرها من المنظمات والمؤسسات ذات الطابع الديني ضغوط على المحكمة، مما أفضى لعدول المحكمة الأوروبية عن قرارها في آذار من العام 2011.

ثالثاً: قضية لاوتسي الثانية:

أن تنديد المؤسسات الدينية مثل الفاتيكان والكنيسة الأرثدوكسية من جهة، وتنديد المنظمات والدول مثل روسيا وإيطاليا من جهة أخرى، لم يكون من دون أي نتيجة. بل أدت هذه الضغوطات إلى أعادت المحكمة الأوروبية النظر بالقضية، ونقض سابقتها بسبب هذه الضغوطات.

علماً بأن الحكومة الإيطالية قدمت التماساً إلى المحكمة لإعادة النظر في الدعوى في العام 2011. ووافقت الدائرة الكبرى للمحكمة عليه بشكل مباشر. في الواقع شهدت هذه الدعوى أرسال مذكرات كثيرة من أصدقاء المحكمة، إذ أرسل أكثر من 33 عضواً من البرلماني الأوروبي مذكرات للمحكمة، وكذلك الحال من منظمات غير حكومية، ومن المراقب اليوناني، ومن المؤسسة الوطنية للفكر الحر the Associazion nazionale de libero Pensiero ، ومن مركز القانون والعدالة، ومن مؤسسة الفقه الأوروبي الدولية Eurojuris International، ومن لجنة الدولية للفقهاء the International Committee of Jurists ، واللجنة الكاثوليكية الألمانية the Zentralkomittee der Deutschen Katholiken، واللجنة الاشتراكية الأسبوعية الفرنسيةSemaines sociales de France ، ونقابة العمال المسيحين the Associazioni cristiane lavoratori italini [21]. وسمحت المحكمة الأوروبية لإرسال مذكرات من قبل العديد من الحكومات مثل حكومة أرمينيا، وبلغاريا، وروسيا الاتحادية، واليونان، وقبرص، وليثوانيا، ومالطا، وموناكو، وجمهورية سان مارينو [22].

وعلى ذلك قدمت الحكومة الإيطالية دفوعها مبينة بإن الحيادية لا تعني العلمانية، وأن المحكمة قد أقرت وحمت التقاليد الوطنية وشعور شعوبها السائد، وتركت المسألة للدول لموازنة المصالح المتعارضة. وأكدت الحكومة الإيطالية بأنها لم تحظر ممارسة أو عدم ممارسة أي دين يرغب به الطلاب [23].

وإما في ما يخص السيدة لاوتسي فكانت دفوعها هي أن الدولة الإيطالية فضلت الكاثلويكية حينما طالبت بعرض الرموز الدينية في المدارس العامة. وبعرضها للمروز الدينية لم تستطيع السيدة لاوتسي بتعليم أبنائها وفقاً لمعتقداتهم الدينية [24].

 وإما الدفوع التي قدمها أصدقاء المحكمة فكانت أن دائرة المحكمة الاعتيادية قد اساءت فهم مصطلح الحيادية، لم تمييز بينه وبين مصطلح العلمانية، وبينت أن لعرض الرموز الدينية مكانة مهمة في تعليم الدول، وأن لهذه الرموز أصول دينية ووطنية وخير مثال على هذه الرموز هو الصليب، ومن بينت المذكرات ما بينت أن المحكمة الأوروبية قد تجاوزت حدود اختصاصها حينما فرضت التزاما على عاتق الدول بأن تكون البيئة التعليمية خالية من الرموز الدينية [25].

وإما في ما يخص ممثلي الدول، فقد قدم ممثل كل من أرمينيا وقبرص واليونان وليثوانيا ومالطا وروسيا وسان مارينو، دفوعا مثل يجب أن تحترم حرية المعتقد والدين في كل دولنا. ويجب أن يقام التوازن.. مع عرض الرموز الدينية التي تمثل الهويات القومية والوطنية في الحياة العامة. وأكد على أن هذه المسائل يجب أن تترك للشعوب الدول من أجل أن تقرر إزالة الرموز الدينية من الحياة العامة، لا للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان[26].

وبناء على ذلك صوتت دائرة المحكمة الكبرى بخمسة عشر صوت لصالح الحكومة الإيطالية، ولتعدل بذلك عن قرارها السابق، واستندت بذلك على فكرة وجوب إعطاء سلطة تقديرية للدول حيث بينت "تتمتع الدول سلطة تقديرية واسعة في تحديد الخطوات التي يجب أن تتخذ للامتثال لأحكام الاتفاقية، مع إيلاء الاهتمام للمصالح وموارد مجتمعها وأفرادها.. وأنه ليس للمحكمة الحق بالإجابة عن هذه الأسئلة، حيث يمكن أن تختلف شرعية هذه المسائل من دولة لدولة أخرى ومن زمان لزمان آخر. وأضافت المحكمة لذلك أن حجج السيدة لاوتسي كانت مبنية على تقييم شخصي لا موضوعي، بأن عرض الرموز الدينية قد انتهك أحكام الاتفاقية [27].

 حيث بينت المحكمة "أن إدراك المدعي الشخصي لا يعتبر كافياً لبيان حصول انتهاك لأحكام الاتفاقية"، وأكدت المحكمة على وجوب وجود دليل موضوعي يبين حصول انتهاك للاتفاقية حينما تعرض الرموز الدينية وأكدت المحكمة: "لا يوجد دليل قد قدم للمحكمة يبين أن عرض الرموز الدينية يشكل تأثيراً على الطلاب وبذلك لا يمكننا أن نؤكد أو ننفي أن معتقدات الطلاب التي ما زالت في طور النمو قد تأثرت من عرض الصلبان" [28].

[1] Lautsi And Others V. Italy, ECHR, 2009, The Link:

(https://www.echr.coe.int/pa... Accessed At (12-01-2022).

[2] 1861, Article 140 of the Kingdom of Piedmont-Sardinia’s Royal Decree no. 4336, it was mentioned in:

William L. Saunders, Does Neutrality Equal Secularism? The European Court of Human Rights

Decides Lautsi v. Italy, Engage, Volume 12, Issue 3, Page 2.

[3] Law no. 121, in Italy, 1985.

[4] Lautsi And Others V. Italy, Op.Cit.

[5] Lautsi And Others V. Italy, Op.Cit.

[6] الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مجلس أوروبا، المصدر:

(https://www.echr.coe.int/do...، تاريخ الزيارة (01/12/2022).

[7] الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المصدر السابق.

[8] Lautsi And Others V. Italy, Op.Cit.

[9] Ibid.

[10] Buscarini v. San Marino, ECHR Applicatiion N° 24645/94, 1997.

[11] Lautsi And Others V. Italy, Op.Cit.

[12] Lautsi And Others V. Italy, Op.Cit.

[13] Pasquale Annicchino, Winning the Battle by Losing the War: the Lautsi Case and the Holy Alliance between American Conservative Evangelicals, the Russian Orthdox Church and the Vatican to Reshape European Identity, Relgion and Human Rights, Volume 6, 2011, Page 215.

[14] مركز أوروبا للقانون والعدل: منظمة غير حكومية، تهدف لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في أوروبا والعالم، وتمثل هذه المنظمة جهة محافظة تعارض للإجهاض، مرتبطة بالمركز الأمريكي للعدالة والقانون، للاطلاع أكثر راجع:

European Centre for Law and Justice, the link:

(

Accessed at (02/12/2022).

[15]Written observations submitted by the European Centre for Law and Justice jointly with 79 members of Parliament of various European countries Acting as third parties, 2010, the link: (http://www.eclj.org/pdf/LAU... Accessed at (02/12/2022).

[16] G. Puppinck, Lautsi v. Italy, The Leading case on Majority Religions in European Secular States, paper presented at the 2010 Annual International Law and Religion Symposium, the link:

(www.eclj.org/pdf/ECLJ-LAUTSIvITALY-secular-states-20110315.pdf), Accessed at (02/12/2022).

[17] G. Puppinck, ‘Lautsi v. Italy. An Alliance Against Secularism’, L’Osservatore romano, 2010, the link:

 (www.eclj.org/pdf/ECLJ-LautsivItaly-crucifix-case-20110315.pdf), Accessed at (02-12-2022).

[18] Russian Orthodox Church Official Website of the Department for External Church Relations,

Italy’s ambassador to Moscow thanks Moscow Patriarchate for support in getting the case of Lautsi reviewed, the link:

(www.mospat.ru/en/2011/06/23/news43653/), Accessed at (02/12/2022).

[19] Russian Orthodox Church Official Website of the Department for External Church Relations, Archbishop Hilarion’s letter to Vatican Secretary of State concerning the European Court’s decision to ban Christian symbols in Italian schools, the Link: (www.mospat.ru/en/2009/11/27/news9297/), Accessed at (02/12/2022).

[20] Russian Orthodox Church Official Website of the Department for External Church Relations,

Patriarch Kirill supports Italian Government over European Court’s decision to ban Christian symbols in schools, the Link:

 (www.mospat.ru/en/2009/11/26/news9194/), Accessed at (02/12/2022).

[21] المؤسسة الوطنية للفكر الحر: هي مؤسسة إيطالية، للاطلاع أكثر يمكن مراجعة موقع المؤسسة:

(http://www.periodicoliberop... Accessed at (04/12/2022);

مؤسسة الفقه الأوروبي الدولية: هي شبكة قانونية للفقهاء الأوروبيين، تعقد اجتماعات متواصلة للنقاش حول المسائل القانونية، للإطلاع أكثر يمكن مراجعة موقع المؤسسة:

(https://www.eurojuris.net/h... Accessed at (04/12/2022);

 اللجنة الدولية للفقهاء: منظمة غير حكومية تضم كبار الفقهاء والقضاة، والتي تعمل على تطوير القانونين الداخلي والدولي، للاطلاع أكثر يمكن مراجعة:

(

Accessed at (04/12/2022);

اللجنة الكاثوليكية الألمانية: هي مؤسسة دينية ألمانية متكونة من ممثلي الطائفة الكاثوليكية في ألمانيا، للاطلاع أكثر يمكن مراجعة:

(https://en.wikipedia.org/wi... Accessed at (04/12/2022);

اللجنة الاشتراكية الأسبوعية الفرنسية: هي مؤسسة فرنسية تدرس وتداول مشاكل الحياة اليومية في المجتمعات المعاصرة، للاطلاع أكثر يمكن مراجعة:

(https://international.la-cr... Accessed at (04/12/2022);

نقابة العمال المسيحين: نقابة تأسست في إيطاليا في القرن العشرين، مبنية على التعاليم المسيحية للطائفة الكاثوليكية، تدافع عن حقوق العمال:

=(https://www.wikiwand.com/en... Accessed at (04/12/2022).

[22] Lautsi v italy (II), ECHR, Application no. 30814/06, 2011, the link:

(https://hudoc.echr.coe.int/... Accessed at (03-12-2022).

[23] Ibid.

[24] Lautsi v italy (II), Op.Cit.

[25] Ibid.

[26] Joseph Weiler’s Testimony Before the European Court of Human Rights, the Link:

 (http://dotsub.com/view/65bc... Accessed at (04-12-2022).      

[27] Lautsi v italy (II), Op.Cit.

[28] Ibid. 

- ما كتبت شيئاً ولن أكتب شيئاً في القانون الا لسعي لتحقيق هدفين، الأول هو المجد والأرث الثقافي، وأما الثاني فهو حلمي في أن تكون كتاباتي المتواضعة مرشدة لدولة علمانية قد ترى النور أو قد لا تراه.