يعيش على ارض دولة الامارات العربية المتحدة ما يناهز المئتي جنسية من حول العالم، وهم حسب التقارير الرسمية يمثلون ما نسبته 80% من التعداد السكاني على أقل تقدير، وهي نسبة ليست بالقليلة مقارنة بنسبة الأجانب للمواطنين في الدول الأخرى.

أثناء سير دعواهم يطرح الأجانب أمام المحاكم والجهات القضائية، كثيرا من الأسئلة حول إمكانية المطالبة بحقوق لم يتضمنها القانون الوطني لدولة الامارات العربية المتحدة، وهي مطالبات مألوفة وشائعة في بلدانهم، وغالبا ما تقررها القوانين الوطنية للدول، وتتضمنها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها على سبيل المثال، حق الأحداث في استئناف الأحكام الجزائية الصادرة بحقهم بوجه عام، فمن المبادئ الثابتة والراسخة في النظم القانونية الحديثة، "مبدأ التقاضي على درجتين"، ولا تكاد تخلو دولة من دول العالم من هذا النظام القانوني، والذي يتيح للمتهم حق استئناف الحكم الجزائي الصادر في مواجهته، ليلقى حكماً آخر مخففا، أو أن يسعى لبيان براءته مما نسب إليه، إلا أن القانون رقم (9) لسنة 1976 في شأن الأحداث الجانحين والمشردين، لا يتيح للحدث حق استئناف الأحكام الصادرة بحقه، إذا ما كان الحكم قد صدر بالتوبيخ أو التسليم أو الابعاد.[1]

لعل البعض -والأحداث وذويهم على وجه الخصوص- لا يرون ضرورةً ملحة لاستئناف حكم التوبيخ والتسليم، فالعامة يرونه حكماً خفيفاً ويرضون به، ويستحسنونه على الدوام، إذ لا يلتمسون عقوبة في هذا النوع من الأحكام، بل يجدونها أقرب للنصح والتقويم لا أكثر.

إلا أن الحال في الإبعاد على خلاف ذلك، إذ يعد حكماً قاسيا على المتهم -وأشد قسوة على الحدث-، فعندما يتصل علم الحدث وذويه بعدم إمكانية استئناف الحكم الصادر بالإبعاد، يتملكهم الذعر ويصابون بالذهول والحيرة ويطرحون الكثير من الأسئلة في هذا الشأن.

وفي الأحوال الشخصية أيضاً، نجد أن الأجانب يطرحون -على الدوام- رغبتهم في استصدار حكم بالحضانة المشتركة بين الزوجين بعد الانفصال، وهو أمر لم ينص عليه وينظمه قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم (28) لسنة 2005.

على الرغم من أنه وعلى ما أثبتته الدراسات الحديثة، أن الحضانة المشتركة تُعد الصورة المثالية لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، فلا يتأثر بأي من الآثار السلبية لانفصال والديه، كما هو في الحضانة الفردية التي تنص عليها القوانين السارية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

الأمر الذي يطرح تساؤلات حول شرعية هذه المطالبات وإمكانية الحصول عليها في ظل القوانين السارية.

 لعل المطلع على القوانين سالفة البيان، يجد أن هذه الحقوق ليس لها محل في ظل النصوص الحالية، فالقاضي لا يمكنه إيجاد نص من العدم، وإلا عُد متعدياً على اختصاص السلطة التشريعية، كما لا يمكنه الاجتهاد، إذ لا اجتهاد في مورد النص، إلا أننا نرى خلاف ذلك، وهذا ما سنبينه من وجه نظر شخصية في هذا المقال.

حيث أنه وبالإطلاع على دستور دولة الامارات العربية المتحدة، نجد أن المادة (40) منه، قد نصت على أنه:-

" يتمتع الأجانب في الاتحاد بالحقوق والحريات المقررة في المواثيق الدولية المرعية، أو في المعاهدات والاتفاقيات التي يكون الاتحاد طرفاً فيها، وعليهم الواجبات المقابلة لها"

فهذا نص الدستور يقرر للأجانب -ويقصد بالأجانب هنا كل من لا يحمل جنسية دولة الإمارات لعموم اللفظ- الحقوق التي تقررها المعاهدات والاتفاقيات الدولية المرعية والتي يكون الاتحاد طرفاً فيها.

وعوداً على بدء، وهو حرمان الأحداث من حقهم في استئناف الأحكام الصادرة بالإبعاد، نجد أن اتفاقية حقوق الطفل -والتي تعد دولة الإمارات أحد أطرافها- قد قررت في المادة (40) فقرة (5) حق الطفل[2] في استئناف الأحكام الجزائية الصادرة بحقه، وذلك بقولها:-

" إذا اعتبر -أي الطفل- أنه انتهك قانون العقوبات، تأمين سلطة مختصة أو هيئة قضائية مستقلة ونزيهة أعلى وفقا للقانون، بإعادة النظر في هذا القرار وفي أي تدابير مفروضة تبعاً لذلك"

وباستقراء المادتين (40) من الدستور و(40/5) من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل معاً، نجد أن للطفل -الحدث- الأجنبي، استئناف الأحكام الصادرة بحقه ولو كانت صادرة بالتوبيخ أو التسليم أو الإبعاد، حيث يستمد الحدث الأجنبي حقه في الاستئناف من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والتي تعد -في شأنه- حقا دستورياً قد قرره الدستور الإماراتي لمصلحته في المادة (40) منه، وذلك على الرغم من الحظر الوارد في المادة (32) من قانون الأحداث الجانحين والمشردين الاتحادي، والذي يعد نصا غير دستوري في هذه الصورة.

وبالبقاء في كنف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، نجد أن ذات الاتفاقية قد تضمنت حق الوالدين في الحصول على الحضانة المشتركة لأبناءهم بعد الانفصال، والتي لم ينظمها قانون الأحوال الشخصية الاتحادي رقم (28) لسنة 2005.

فبإسقاط أحكام المادة (40) من الدستور، نجد أن للأجانب وفقا لاتفاقية حقوق الطفل، حقا دستوريا يخولهم المطالبة بالحضانة المشتركة المنصوص عليها في قانون حماية الطفل، وإن كان قانون الأحوال الشخصية الاتحادي لم ينظم هذه المسألة، إذ أنهم يستمدون الأساس القانوني من الاتفاقية وليس من القانون الوطني.

ومن الجدير بالذكر، أنه قد صدر مؤخراً من المشرع الظبياني، القانون رقم (14) لسنة 2021 والمعدل بالقانون رقم (15) لسنة 2021 في شأن الزواج المدني وآثاره في إمارة أبوظبي، والذي -وللمرة الأولى- نظم مسائل الحضانة المشتركة لغير المسلمين في إمارة أبوظبي، إلا أن ذلك يُشكِل عليه نص المادة (40) من الدستور، إذ أن المادة المذكورة قد ورد بها لفظ " الأجانب" ولم تقيده بدين معين، فالعام يبقى على عمومه مالم يقيد، والصواب -في رأينا- هو شمول هذه الحقوق -التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر- لكافة الأجانب المقيمين في دولة الإمارات، مسلمين وغيرهم، أخذاً بعموم اللفظ الوارد بالدستور.

إن تطبيق المعاهدات المرعية والتي يكون الاتحاد طرفاً فيها، لا تأتي استجابة للمطالبات المتكررة التي نشهدها في مهنة المحاماة من قبل الأجانب فحسب، بل تأتي احتراماً لأحكام مواد الدستور، والتي يتربع الأخير على عرش نظامها القانوني، وتكريساً لنموذج دولة الإمارات العربية المتحدة في سيادة القانون واحترام تعددية قاطنيها.

فإننا نرى أن على المحاكم وعند تمسك الأجنبي بتطبيق اتفاقية تكون دولة تكون الإمارات طرفاً فيها، أن تطبق أحكام الاتفاقية ولو خالفت أحكام القانون الوطني النافذ، إذ أن النصوص الواردة في القانون الوطني والتي تخالف أحكام الاتفاقية -بحق الأجانب- تشوبها شبة عدم الدستورية، وذلك لمخالفتها الصريحة لنص المادة (40) من الدستور.

وصلى الله وبارك على سيدنا محمد

[1] تنص المادة (32) من القانون المذكور على أنه : " يجوز استئناف الأحكام الصادرة على الأحداث عدا الحكم بالإبعاد أو بالتوبيخ أو بتسليم الحدث إلى والديه أو إلى من له الولاية أو الوصاية عليه.."

[2] إن لفظ الطفل في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، ولفظ الحدث الوارد في القانون الوطني للأحداث، لفظان مترادفان، ذلك أن كلا من القانون والاتفاقية قد وضعوا لكلا اللفظين العمر ذاته، وهو كل من لم يكمل الثامنة عشر من عمره.