كنت في مقال سابق قد تكلمت عن أهم التحديات التي تطرحها معالجة المعلومات الطبية بشكل عام و كنت قد طرحت بعض التساؤلات حول مكانة اللغة العربية من ذلك الزخم الكبير من التحديات.

في هذا المقال سوف أسرد أهم المشاكل التي تقف وراء قلة الموارد و الأعمال في مجال معالجة المعلومات الطبية باللغة العربية، بناء على منشور: "

" يطرح بشكل جميل أهم تلك المشاكل :

التدريس باللغة العربية، من الرجاء إلى التمني :


أول تلك المشاكل وراء صعوبة العمل باللغة العربية في مجال المعلومات الطبية هو ما يسمونه “الازدواجية اللغوية”، حسب ويكييبديا فإن الازدواجية اللغوية هي حالة لسانية مستقرة نسبيا يتواجد فيها مستويين لغوين للكلام من نفس اللغة (كالعامية و الفصحى) أو من لغتين مختلفتين (كالعربية و الفرنسية)، و هذا المشكل يظهر جليا خاصة في تدريس الطب في البلدان العربية، فرغم أن الطلاب عرب و البلدان عربية إلا أن اللغة المستخدمة في تدريس العلوم الطبية أو الصيدلانية ليست العربية بل هي إما الانجليزية أو الفرنسية و لعل سوريا هي الاستثناء الوحيد في ذلك و الله أعلم، هذا المشكل لا يرتبط بمستوى اللغة لدينا أو مستوى المدرسين أو الطلاب و لكن لقلة الترجمة و عندما أتكلم عن الترجمة ليس فقط ترجمة الكتب المهمة أو الدروس بل هناك غياب كبير لديناميكية ترجمة تبدأ من المصطلحات الكثيرة و المتجددة في هذا المجال مرورا بالكتب و الدروس و المنشورات، فمجال الطب و الصيدلة مجال تتجدد فيه المفاهيم بسرعة و في غياب ديناميكية ترجمة متجددة فإنه من المستحيل تدريس مادة مهمة مثل الطب باللغة العربية، فلو أخذنا مثالا النظام الفرنسي فنجد أن هناك ديناميكية كبيرة وراء الاعتناء بالترجمة من الانجليزية إلى الفرنسية للمصطلحات و الكتب و الدروس ولعل النظام الفرنسي في مجال الطب و خاصة في مجال التدريس من أقوى الأنظمة التي أعرفها و التي استطاعت أن تواكب قوة اللغة الانجليزية و الحفاظ على التدريس في الجامعات باللغة الفرنيسة، لهذا فأن التدريس بالفرنسية للطب من العلوم القلائل التـي يمكنكم دراستها من دون المرور على مراجع بالانجليزية إلا في الاكتشافات و الدراسات الحديثة و التي نجدها غالبا في منشورات علمية بالانجليزية.

الممارسات من الفرنسي للعامي :


التدريس ليس وحده من يعاني من من هذا المشكل ففي المجال المهني و مجال الممارسات اللغة المستعملة في الغالب ليست العربية و هذا نجده في الوصفات الطبية و التقارير الصحية في المستشفيات أو بين الأطباء، و هذا المشكل يطرح تحدي آخر و هو مشكل إنشاء النصوص التي يعتمد عليها الباحث لتطبيق الأدوات و الآليات التي تم تطويرها باللغة العربية، فالعارفين بهذا المجال يعرفون أن مشكل النصوص و تشكيلها و إنشاءها علم بحد ذاته و قلة الممارسات باللغة العربية يجعل تجميع “ذخيرة نصوص” أمر شبه مستحيل هذا و إن فرضنا أن تلك الممارسات تتم و تخزن على شكل الكتروني.

الانجليزية من أمامنا و لا شيئ وراءنا :


مشكل آخير و لعله المشكل الذي تتقاسمه جميع اللغات أمام الانجليزية و هو مشكل النشر العلمي، فبكونها اللغة العالمية الأولى المستعملة فهذا يجعل من النشر باللغة الانجليزية ضرورة لكل باحث في الطب حتى يضمن انتشارا لبحثه و دراساته و لكن هل هذا منع من وجود محاضرات و مجلات علمية كبيرة بلغات أخرى، الجواب لا، فعلى مستوى البلدان هناك الكثير من المحاضرات بلغات البلدان : فرنسا، اسبانيا، البرازيل…وهذا الشيئ نفتقده كثيرا بل نكاد لا نجده في بلداننا و هذا في مجالات عديدة غير الطب، ففي مجال الحاسوبيات مثلا نجد المحاضرات و المجلات العلمية قليلة و منعدمة.

في ضوء هذه المشاكل و كباحث في مجال المعلوماتية الطبية، أعتقد أن أول تحدي وراء الباحثين العرب هو تطوير آليات الترجمة : ترجمة المصطلحات، ترجمة الكتب، ترجمة الدروس، ترجمة المحاضرات… و ما أقصده بالديناميكية هو انشاء فرق بحث مختصة في مجال المعلوماتية الطبية بالعربية من جانب “المحتوى”، و من خلالها يتم تطوير آليات الترجمة و بناء أنظمة تمثيل معرفي بالعربية للمعلومات الطبية من خلال ما هو متوفر الآن في فرق كثيرة على مستوى الوطن العربي متخصصة في تطوير الانتولوجيا و القواميس المختصة.