بينما كنت غارقا في شرودي لفت انتباهي شابٌ يرتدي قميصا بدون أكمام رغم الطقس الممطر.. تحمّل البرد ليبرز ذلك الوشم المنقوش على ساعده -أو هذا ما بدا لي كونه بدأ عند آخر نهاية كمه- .. لم أستطع قراءته بسبب عدم وضوح الرؤية الناتج عن الضباب الذي نفثه نفَسي على زجاج الحافلة.. على أي حال لم أكن مهتما.. فالظاهر من وجهه القبيح وجسمه البدين أنّ المكتوب على جثته ما هو إلّا انعكاس لهراء شخصه.. أطلقت سلسلة من النظرات الفاحصة على ملامحه مغتنما ازدحام السير المؤقت.. وجعلت أردد في نفسي : هل تعتقد أنّ هذا الوشم زادك وسامة ؟ لا-- بل زادك وهنا على وهن وقبحا على قبح يا عزيزي الشاب المتوحل في غروره.. (لم أكن لأسخر منه لولا ذلك الوشم) كان هذا الشاب مفتاحا لسلسة من الأفكار المرببة التي غزت عقلي بالتفكير في مخلوقات الله التي تعتقد أنّها أبهرت العالم بشخصيتها الخارجة عن حدود البشر.. إنهم أشخاص مختلفون -أو هذا ما يعتقدون ... !

الحيوانات يا عجبا يا ربي أراها تستر عوراتها، ما بالك أنتِ تكشيفينها.. أم تعتقدين أنّ كشفك لمفاتنك سيضاعف حظوظك في الزواج.. أعتذر فأنا لا أستطيع الزواج بكيس خردوات فكثرة الرجال عليك ككثرة الذباب على القمامة. تخرجين من المنزل بقطعة قماش رقيقة وفي أحيان كثيرة قصيرة أم ممزّقة.. هل أنتِ فقيرة ؟ وجهك مليء بالمساحيق والألوان كأنّك خضر وفواكه، من يراك يظنك مهرجة هربتي من السيرك.. أرجوك توقفي ! تدّعين التقدم وتضحكين على المتحجبات وتشيرين نحوهن بالتخلّف.. أليس الغرض الذي صُنع من أجله اللّباس هو ستر عورتك بعدما كانت شبه مكشوفة في العصر الحجري ؟ تقدّم البشر وستروا أنفسهم وأنتِ تخلّفت.. نزعزت ثيابك بالتدّرج عائدة من حيث أتيت -للعصر الحجري أيتها المتخلّفة-. تنادين بحقوقك وتطالبين بالمساواة أمام الرجل... حسنا بما أنك مساوية لي.. غدا لدي موعد مع كسر الأحجار في الجبل... أرجوك اذهبي نيابة عني فأنتِ رجل ستتحملّين... سيارتي معطلة أرجوك ادفيعها خلفي... خذي بضائعي واحمليها عني .. أنا مرهق.. الحمد لله أنّك مساوية لي وإلّا لما عرفت كيف سأفعل... الاِسلام يا أختي الفاضلة عدل بين الرجل والمرأة ولم يساوي بينهما..

أمّا ان كنتِ تبحثين عن العدل، فالعدل هو من أخرجك من العبودية.

ملابس خليعة، تسريحات شعر غريبة من أين أتيتم ؟... في النهاية استنتجت أنّ كل محاولاتكم للإختلاف باءت بالفشل .. الملايين يحملون نفس أفكاركم -كلّكم متشابهون- .. كلّكم تسعون من أجل الهدف نفسه، تبحثون عن الإختلاف.. اذن تخلّفوا. وفي الأخير لست ضد الاختلاف كليا لأننا كلنا مختلفون بالفطرة.. -أنا ضد الإختلاف المصطنع- لكن ماالذي لم أفهمه..: هل تعتقدون أنّ الآخرون سيُعجبون بكم هكذا ؟ إن كانت الإجابة نعم.. فبشرى لكم.. نحن نشمئز منكم والدليل كلامي فوق.. سألت العديد من الأشخاص المعتدلين فكانت ملاحظاتهم مشابهة لخاصتي.. أمّا إن كانت الإجابة لا.. فهل كنت ستفعل هذا بنفسك لو أنّك الوحيد على كوكب الأرض ؟ أكيد لا.. اذن أنت كاذب.. كان من الأولى أن تكون اجابتك بنعم..

ان كان هدفك البحث عن التميز.. فهو هدف نبيل.. لكن ليس التميز في شكل هيكلك.. التميز بعقلك. لا أقصد التميز بطريقة التفكير المعوجة.. سلام.