تكلم حتى أعرفك ، هكذا نحن البشر دائما نريد أن نستكشف ما وراء الستار ، إننا نريد معرفة الخفايا حتى إذا كانت أليمة ، لكن الغموض ربما يصنع للآلام سحرا .

لا شك أن الكلمات البراقة لها أثر كبير على نفوس البشر لكن الصمت له أثر أكبر عندما يكون للسكوت معنى ، فقد يعبر الصمت عن تجاهل السفاهة والتفاهات ، وربما يكون حائطا لصد الغل والأحقاد أو يكون حائلا يستر العذاب والألم .

قال الحكيم إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب ، لأن الكلام أحياناً يؤذي صاحبه ويسقطه في دائرة الهوان والمهالك خاصة إذا كان الشخص عصبي المزاج أو عاطفيا متهورا .

يعتبر الكلام والمحادثات هي الوسيلة المثلى للتعبير عن المواقف والأحداث بين الناس ، واللسان هو مركز الصوت والتخاطب فبدون الصوت لا يستطيع الإنسان أن يعبر عما يجول في خاطره مما يجعله أبكم لا يتكلم ربما يكون ذلك نتيجة لصدمة نفسية أو يكون نتيجة الصمم وفقدان السمع ، ولهذا فإن مرضى الصم والبكم يكون لهم لغة خاصة حيث تكون الإشارة هي اللغة الرئيسيىة التي تجمعهم ، وهي لغة ليست سهلة كما يظن البعض فهي تحتاج إلى تعليم وتدريب منذ الصغر مثل كل اللغات الأجنبية لأن الإشارة التي يفهمها المتكلمون تحتلف تماما َ عن لغة الصم والبكم .

نعمة اللسان تعد من أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان ورغم ذلك فإن النطق والكلام يحتاج إلى جهد خاصة عندما تريد أن توصل معلومات محددة وفي ذات الوقت فالكلمات أحيانا تضر صاحبها عندما يكون الإنسان غاضبا أو متهورا قال تعالى :

( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) الآية 63 سورة الفرقان

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " أوصني " ، قال : ( لا تغضب ) ، فردّد ، قال : ( لا تغضب ) رواه البخاري .

إذن فاللسان مركز للكلام باعتباره نعمة أنعم الله بها علينا ولكنه يمكن أن يتحول لنقمة من خلال أفعالنا

- قال معاذ بن جبل : يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني بعملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ، ويباعدني غنَ النَّارِ، قال: لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ علَى من يسَّرَه اللهُ عليه، تعبدُ اللهَ ولا تشرِكُ بِه شيئًا، وتقيمُ الصَّلاةَ، وتؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ، ثمَّ قالَ: ألا أدلُّكَ علَى أبوابِ الخيرِ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ، كَما يطفئُ الماءُ النَّارَ،وصلاةُ الرَّجلِ في جوفِ اللَّيلِ، ثمَّ تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ الْمَضَاجِعِ) حتَّى بَلغَ: يَعمَلونَ) ثمَّ قال: ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ، قال: رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثمَّ قال: ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟ قلتُ: بلَى، يا نبيَّ اللهِ، فأخذَ بلسانِهِ، وقال: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم.

فالانسان مؤاخذ بما يقول من كلمات لأن الثرثرة والنزاعات لها عواقب غير آمنة والغيبة والنميمة لهي أبشع جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه لأنها تأكل من حسناته دون أن يشعر ، وقد يستسهل البعض ذكر الناس بالسوء بحجة أنه يعدد صفاتهم من محاسن ومساويء وهو لا يعرف أن هناك عداد للسيئات .

على جانب آخر فإن الكلمة تعد نوراً يرشدنا للطريق عندما تكون في أبواب الخير ، وقد كان الأنبياء عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم يدعون الأقوام بكلمات الله العظيم الكريم وعندما نزل جبريل عليه السلام ليوخي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أول ما نزل به أن يقرأ (أي يخطب ويتكلم )

قال تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) سورة العلق

كانت رسالات الأنبياء هدى ورحمة للبشرية ليخرجوهم من النور إلى الظلمات وكانت كلماتهم عبرة للعالمين .

لقد كان النبي موسى عليه الصلاة والسلام كليم الله لأنه من أولي العزم من الرسل حيث خصه الله تعالى بأعلى مراتب الوحي وهو الكلام المباشر دون وساطة الملائكة ، فقد كلم الله سيدنا موسى حيث ناداه الله تعالى وكلمه بالنبوة والوحي قال تعالى : (وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا).

إن اللسان والنطق بالكلمات ليس سهلا لأن القلوب تسمع قبل أن ترى حتى الحيوانات تسمع قبل أن ترى فهي تتحرك طاعة لما تسمعه وليس لما تراه ، لأن الكلمة الطيبة تجبر أفئدة المخلوقات أما الغلاظة فهي تدمي القلوب الرقيقة ولهذا وجب عليك أن تنتقي الكلمات ولكن احذر أن تكون منافقا مداحا للجميع .