علمنا الكثير..وكشف الكثير..و وهب الكثير..وأثبت الكثير..
لكن مع ذلك سنقضي عليه رغم كل هذا..لأنه ومقابل كل ما أعطى فهو يأخذ منا الكثير..
فكل بلاء الا ويحمل الكثير معه ولا أقصد جانبا واحدا من الإيجابية أو السلبية لكن أقصد كل الجوانب المظلمة و المشرقة كذلك..
علمنا الاتحاد و ترتيب الحياة من جديد..وعلمنا الانتقاء وحسن التدبير، علمنا الرجوع للأصل والالتزام، وعلمنا أن بالعلم نحيى و أنه سبيل النجاة. ثم في المقابل كشف عن معدن الشعوب و الأفراد و الشخصيات و الحياة و النوايا و عن عدو آخر أشد فتكا من كل الأوبئة و الأمراض وأكثر خطرا وأعظم أثرا..عدو منا وفينا وبيننا وعلينا..عدو يعارض الفطرة السليمة للبشرية ويجردنا منها ويقودنا نحو حتفنا لا محالة.
ثم وهب لنا فرصا أخرى لمعرفة الحقائق والبحث و التأمل و الاعتبار و التوبة وكان بمثابة البطاقة الصفراء على أرضية الملعب للتحذير والتنبيه والرجوع و الاتزان ..وإعطاء ذي كل حق حقه المستحق..
وأخيرا أثبت ضعفنا وقلة حيلتنا وغباءنا وأنانيتنا والأفق المحدود فينا وجماد عقولنا وظلمة صدورنا وتفرقنا وتشتتنا في الآراء و الأفكار و القرارات وأثبت فسادنا واستهتارنا وانعدام النضوج وحس المسؤولية فينا..
هناك من لم يسمع بك بعد وإني لأغار منهم وعيشهم وهناك من اتخذك مسخرة و صنع بك النكات و أضحك وجمع الايكات وهناك من ظن نفسه واع أكثر من الازم فكان مجرد بلاء آخر على الأمة وهناك من استغلك في الاحتكار وكان همه الربح وهناك من لا يبالي بشيء فلم يكن ما يخسره قبلك و لا شيء سيخسره بك أو بدونك..
لا أعلم طبيعتك فلست عالما بيلوجيا ومعرفتي بك محدودة ولا أعلم إن كنت حقيقيا أو مجرد حرب جرثومية لمصالح سياسية دون اكتراث للأبرياء وعدد الأرواح كالعادة فقد فقدت البشرية ثقتها الكاملة في الرؤوس المدبرة..و لا أعلم المهلة المتبقية لك أو الكم الذي ستحصده معك وما ينتظرنا بسببك فلا علم لي بعلم الغيب و لا أعلم إلا من إعلام يذكر لي ما يريد و يخفي عني ما يشاء فكل المصادر اختلطت وتشعبت وكثر اللغو و الدعاية و الكذب وأصبح العالم و الجاهل كالجسم و انعكاسه..ولا أعلم إن كنت جندا مجندا من جنود الله والحكمة الإلاهية الحقيقية من ورائك أو مجرد غضب من الطبيعة التي استراحت منا فعلا في هذه الفترة.
لكن كل ما أعرف وأنه بقمة الضعف فينا فلا بد من نقطة ضعف فيك وأنه ومهما طال الزمان فلكل داء دواء ولكل مرض شفاء..وبقدر يقيني بأنك ستلقى حتفك فإني متيقن يقينا موقنا أن حتفنا نحن أيضا في طريقه إلينا لكن على يد عدو أعظم منك و أوسع انتشارا و أكثر تطورا ولطالما كان قبلك و سيبقى بعدك فهو أقوى منك و أسرع و أخطر و إن كنت أنت لا ترى الا بالمجهر فهو لا يرى أبدا و إن كان هجومك أنت على العجزة و الصغار خاصة فهجومه هو على كل الأعمار و الأجناس عامة و إن كان أسوء أثر لك أنت هو الموت وقتل ضحاياك فإن أسوء أثر له هو سلبهم حريتهم و فكرهم وانسانيتهم وأسمى سمة فيهم وتجميد عقولهم و التحكم بهم وتحويلهم الى أسلحة فتاكة لا يمكن محاربتها بأي شكل من الأشكال لأنه ليس داء ليصنع له الدواء و ليس مفترسا ليقتل و ليس مستعمرا ليقاوم..
إنه "الجهل" يا ساده فلطالما كان ألد أعدائنا وسيبقى ولطالما تحالف ضدنا كما يفعل الآن معك..والغباء ليس جرما ليسجن صاحبه أو ظمأ ليروى ولا مرضا ليشفى..و رغم أن زماننا لا يعادله من العلوم و الاكتشافات أي زمان قبله إلا أن سعادتنا و علمنا و استقرارنا لا يعادل من علوم زماننا شيء. و إنما مجرد تراجع في نسب الذكاء و تزايد في نسب الغباء و الفوضى..
وكما قال ألبرت: "هناك شيئان لا نهائيان: الكون و غباء الإنسان؛ وبالنسبة للكون فأنا مازلت غير متأكد تماما"
ختاما أعترف بنزاهتك ولعدو شريف أفضل من صديق منافق و أشكرك على مرورك المروع فقد أيقظت البعض منا و علمتنا دروسا لا أثمنة لها..لكن سيبقى علينا رغم ذلك محاربتك فلا ثمن للأرواح أيضا وأنت لا زلت تسلبها منا..ولكن ورغم كل المحاولات فإننا لعاجزون ولن يتحقق فوزنا إلا بالاعتبار بالماضي و الاستفادة من الأخطاء والاستيقاظ من الغفلة و الاتحاد.
وأتمنى أن تعطي درسا آخر لمن كان كل همهم التسابق نحو التسلح واختراع أسلحة حربية فتاكة نووية و أخرى هيدروجينية وكهرومغناطيسية ..بداع الدفاع عن أنفسهم في حالة الحرب ونسوا التسابق للأدوية والتقدم بالطب والاعتناء بأهل العلم وخاصته..و أن تذكرهم بقمة ضعفهم رغم طغيانهم وجبروتهم وتسلحهم و توجههم للأعداء الحقيقيين من أمثالك و كل ما يهدد جنسنا بدل معادات بعضنا و أكل القوي فينا كل ضعيف منا.
و أتمنى أن يخلدك التاريخ أيضا ليس لعدد ضحاياك أو كمية الرعب و الهلع الذي نشرته في العالم و إنما لما علمت، كشفت و وهبت و أثبت.. ولتجعل الأجيال قادمة تعتبر منا فهناك دائما أمل للإصلاح والصلاح وإن لم يكن في جيلنا هذا فسيستبدلنا الله بقوم يحبهم و يحبونه ولن نكون حينئذ إلا كالقرية الظالم أهلها أو أحد الأقوام التي طغت وتجبرت لكن لم تبقى إلا مجرد قصص للعبرة والاتعاظ.
قريبا سأسمع خبر حتفك لكن ما أنتظره أكثر شوقا و أحر جمرا هو كيف ستكون الحياة بعدك إن كانت ستكون وإن كان سيقدر لي أن أكون شاهدا عليها إن تغير بها شيء أصلا .
وها أنا أودعك قبل أوانك فوداعا لك مع تحياتي لسموك أيها الكورونا اللعين وتبا لك. إمضاء: إلياس
التعليقات