على مدار التاريخ الإنساني تعرضت الكتب والمكتبات للأذى من تخريب وتدمير وإبادة، وذلك إحراقًا وإغراقًا وإتلافًا على يد الاستبداد والطغيان.

فما نقصده هُنا ليس الحوادث القدرية الناتجة عن وقوع الكوارث الطبيعية، وأنما نخص الحديث على حوادث الإبادة الممنهجة في إطار طمس التراث الإنساني.

ومن أشهر تلك الحوادث حريق مكتبة الإسكندرية القديمة الذي اندلع عام 48 ق.م على يد يوليوس قيصر. كما قام التتار بتدمير وإحراق مكتبة بغداد بالعراق، بعدما ألقوا بملايين الكتب الثمينة في نهر دجلة.

وفي عصرنا الحالي، ومع بداية الحرب على العراق مطلع سنة 2003، حدث بطلتها «عالية باقر» أمينة مكتبة البصرة، التي حالت دون إحراقها، وقامت بحماية إرث ثقافي وإنساني عظيم.

قبل بدء الحرب، طلبت عالية إذنًا من محافظ البصرة بنقل الكتب إلى مكان آمن، لكنه رفض دون توضيح أسباب.

مع بداية الحرب، وعندما اقتحمت القوات البريطانية البصرة في أوائل شهر أبريل 2003، قامت عالية بدورها ومسؤولياتها كأمينة على مكتبة، وحافظت عليها ضد القصف.

في كل مساء كانت تملأ سيارتها بالكتب تأخذها بهدوء إلى المنزل، قامت بإخراج عدد كبير المجلدات من المكتبة المركزية بالمدينة، ونقلت بعض الكتب والمطبوعات التاريخية الهامة.

ثم استعانت في ليلة أخرى ببعض الجيران، وانضم أصحاب المتاجر من جميع أنحاء الشارع للمساعدة. ونقلت الجزء الأكبر من الكتب ملفوفة في الستائر ومعبأة في الصناديق في سيارة نقل، وأخفاؤها مؤقتًا في مطعم لجار أخر لها، ثم بعد ذلك نقلتها إلى منزلها، ووزعت بعضها على أصدقاء موثوق بهم وموظفي المكتبة.

كتب في المداخن، وكتب في الخزائن، وكتب مجمعة في أكياس الدقيق، وكتب تملأ الثلاجة القديمة. كان هذا هو المشهد في منزل عالية، وبعض أصدقائها الموثوق بهم وموظفي المكتبة بعدما وزعت عليهم ما عجزت عن إيجاد مكان له بمنزلها.

لتنقذ بذلك التصرف ما يقدر بحوالي 30 ألف كتاب، أي ما يقارب 70% من محتويلات المكتبة. وبالفعل بعد عدة أيام حدث ما توقعته عالية، وأحرقت المكتبة.

ألهمت بطولة عالية كتاب أدب الأطفال، لتوثيق قصتها بكتابين مصورين للأطفال على طريقة الكوميكس، لتعليمهم معاني نبيلة عن التضحية والإيثار وحب المعرفة.

الكتاب الأول صدر عام 2004 جاء، تحت عنوان: «مهمة علياء: إنقاذ كتب العراق» لـ مارك آلان ستاماتي.

أما الكتاب الثاني، فقد صدر عام 2005، وجاء تحت عنوان: «أمينة مكتبة البصرة: قصة حقيقة من العراق» لـ جانيت وينتر. ويمكنك مشاهدة مراجعة له عبر هذا الرابط:

كانت هذه قصة بطلة من أبطال الظل، أحبت الكتب والمعرفة، فحمت جزء من الثراث الإنساني، وحالت دون إبادة مكتبة البصرة، في شجاعة نادرة المثيل...