كتاب مليء بالأفكار العلمية وقصص الخيال العلمي وارتباطها بالفلسفة.. مثل الوعي مثلًا، والسفر عبر الزمن، والذكاء الاصطناعي والمخ والعقل..

أجزم أن السفر عبر الزمن ممكن. وتناقضات السفر عبر الزمن غرائب وليست مستحيلات.

دافيد لويس، فيلسوف أمريكي

لو قُدّر لشخص اسمه إكس أن تم تمثيل جزيئات جسده جزيئًا جزيئًا في جسد جديد، وتم نقل أفكار ذلك الشخص إلى عقله الجديد في جسده الجديد، هل سيكون الشخص الثاني أو إكس الثاني نفس الشخص الأوّل؟ هل سيعبر عن الشخص الأول تماما؟

ماذا لو سافر أحدهم للمستقبل وقتل أباه قبل أن يلده، كيف سيولد الشخص الذي سافر إلى الماضي ويقتل أباه الذي لم يُقتل؟

هل ستحلم الروبوتات يومًا؟ هل سيكون لها وعي بوجودها مثلنا؟

من بدايات الخيال العلمي وإرهاصاته الأولى في القرن التاسع عشر، وقد تقاطعت مواضيعه بشكل واضح جدًا مع مواضيع فلسفية شغلت أذهان الفلاسفة منذ زمن بعيد، خصوصًا مع آلة الزمن، لويلز. الرواية التي شكلت واحدة من أشهر روايات الخيال العلمي، وأسهمت في وضع أسس روايات الخيال العلمي التي تتحدث عن الزمن.

وفي كتاب «الخيال العلمي والفلسفة» الذي حررته سوزان شنايدر (الفيلسوفة الأمريكية)، نرى مقالات لزمرة من الفلاسفة والعلماء والمستقبليين، بالإضافة لمجموعة من القصص القصيرة المميزة في الخيال العلمي في تحفة علمية وخيال علمية وفلسفية يبلغ عدد صفحاتها خمسمائة وخمسين صفحة.

الكتّاب يحاولون من خلال صفحات الكتاب التوصل لإمكانية حل (أو على الأقل فهم) المعضلات التي تثيرها قصص الخيال العلمي، من خلال عرض رأي العلم والفلسفة في الموضوع، مثل معضلة الجد التي سبق وأن أشرنا إليها.

التنوع الكبير لكتّاب المقالات كان ميزة كبيرة جدًا وأسهم في ثراء الكتاب بأفكار مختلفة في فروع علنية وفلسفية عديدة. فقد بدأ الكتاب بمقدمة لسوزان شنايدر توضح لنا كيف يمكن أن يكون الخيال العلمي نافذة أو مدخل لمشكلات فلسفية عميقة.

ثم ينطلق قطار الخيال العلمي والفلسفة في رحلة إلى أراضي المصفوفات والتساؤل الكبير، هل نعيش في مصفوفة؟ هل كل هذا العالم حولنا وهم كبير خلقته أدمغتنا، أو خلقه لنا ذلك الشخص الذي وصعنا في مصفوفتنا؟ يناقش الفصل ذلك من خلال عدة أعمال في الخيال العلمي أبرزها فيلم الماتريكس الشهير.

ثم يمر القطار بمحطة الإرادة الحرة والوعي والإرادة الحرة، والذي يناقشه فيلم شهير بعنوان تقرير الأقلية The minority report. حيث يتم فيه القبض على أشخاص بناء على جرائم لم يرتكبوها بعد!

ثم محطة الذكاء الاصطناعي، ووعي الذكاء الاصطناعي من خلال أعمال أسيموف، مثل رجل المائتي عام وأحلام روبوت. وربما يكون هذا الجزء بالذات أكثرهم اقترابًا مما يحدث على ساحات التكنولوجيا حديثًا، فأغلبنا يعرف الجدال الشهير بين إلون ماسك (مؤسس شركة سبيس إكس وصاحب الإنجازات التكنولوجية الكبيرة)، ومارك زوكربرج مؤسس موقع فيس بوك حول الذكاء الاصطناعي ووصوله لنقطة سيستطيع بعدها تدميرنا.

ثم يتعرض للجانب الإنساني والأخلاقي في الخيال العلمي من خلال أعمال مثل عالم جديد شجاع (بعض الترجمات بعنوان: العالم الطريف) لألدوس هكسلي، وعوالم المستقبل التي ربما تتغير فيها الأخلاقيات بواسطة التكنولوجيا الجديدة، خصوصا البيولوجيا والتلاعب بالجينات والذكاء الاصطناعي، ووقوع هذه التقنيات في أيدي دكتاتوريات تتحكم في مصائر الشعوب والإنسان على المستوى الفردي والحرية الشخصية.

ثم ينتهي الكتاب بالجزء الأكثر إثارة والسؤال الأكثر جدلًا عن ماهية الزمن واحتمالات السفر عبر الزمن وموانعه، والمفارقات التي تنتج عنه، وحل تلك المفارقات، حتى أن بعضهم يقول أنه لو كان السفر تبر الزمن مستحيلا، فإن السبب في ذلك لم يكتشف بعد.

رأيي في الكتاب:

  • الكتاب رائع بحق، وتنوع المؤلفين كما قلنا أعطى له ثراء كبير في الموضوعات التي يقدمها.

  • وجود القصص القصيرة واحد من أهم جوانب قوة الكتاب، فهي تعطي تمثيلا قصصيا للمشكلات التي يعرضها الكتاب، إضافة لأن القصة ذاتها تمثل استراحة ممتعة بين المواضيع الثقيلة والتفاصيل العلمية الكثيرة.

  • أسلوب الكتاب عموما سهل في معظم الأجزاء، ولا يتطلب معرفة كبيرة جدًا بالموضوعات التي يتحدث عنها.

  • الترجمة كان عليها بعض الملاحظات الصغيرة جدًا في صياغة الجمل، وبعض الأخطاء الإملائية، والنحوية القليلة جدًا، والتي لا تلغي أبدًا المجهود الضخم الذي بُذل لترجمة كتاب بهذه الجودة.

استمتعوا بهذه الوجبة الرائعة من الخيال العلمي.

اقتباسات:


المراجعة من طرف: ياسر أبو الحسب.

رابط الكتاب على غودريدز: