أثناء ممارستي لوظيفتي في متجر الكتب أحيانا اتصفح الأقسام لأراجع بعض الكتب لنقلها في أقسام مختلفة مناسبة، فأحيانا يقوم بعض الزملاء بوضع كتب طه حسين بجوار كتب الرافعي متجاهلين الحروب الأدبية بينهما فأتدخل لنقل بعضها منعا لحرب قادمة على أرفف الكتب؛ وأثناء انشغالي دخل شخصا ما يريد شراء كتبا وقال " أريد أعمق الكتب لديك." فتركت كتاب الكوميديا الإلهية لدانتي الذي كان في يدي وقتها وسألته: "ماذا تعني بأعمق؟" فصارحني بدون تردد بأنه يريد تكوين مكتبة ضخمة متنوعة مليئة بالكتب العميقة كتلك التي يرى اقتباستها على منصات التواصل وقام بإخراج هاتفه ليريني اقتباسا لدوستويفسكي وشاور بإصبعه على الاسم قائلا " أريد كتب لهذا الكاتب فيستوفكيسي." فزادني الفضول لأسأله " ولكن لماذا تريد تكوين تلك المكتبة العميقة!" فقال لأنه افتتح مكتبا جديدا ليدير من خلاله عمله ويريد أن يجعل كل من يدخل مكتبه يحترمه أكثر حينما يرى الكتب العميقة وراءه.
وأيضا على مستوى الأعمال الفنية نرى الكثير من الفنانين يحاولون إضافة أو البحث عن العمق في أعمالهم لدرجة تكاد تجعلهم يقدمون أعمال فنية بدون معنى أو مصطنعة فقط لإرضاء النقاد من جه ومن جه آخرى ليقال عن أعمالهم مهمة وصعبة وعميقة!
باتريك زوسكيند تناول هوس العمق في قصة له بنفس العنوان حيث يقوم أحد النقاد بالتعليق على رسومات فنانة شابه بقوله "أعمالك مثيرة للاهتمام وهي تدل على موهبة حقيقية، ولكن ينقصك العمق". فجعل هذا الرأي الفنانة تحاول إضافة تعديلات لطريقة رسمها وتبذل قصارى جهدها حتى قضت نحبها وحيدة تحاول الوصول إلى العمق في أعمالها وهنا علق الناقد قائلا."هوس العمق.. تلك الرغبة الطائشة القاتلة".
كيف ترى العمق من وجهة نظرك في الأعمال الأدبية أو الفنية؟ وهل صادفت أشخاصا يدعون العمق فقط لتحسين صورتهم؟
التعليقات