الساعة تشير إلى 5:30 فجرا.إستيقظت كلثومة على صوت منبه هاتف ابنتها،لتبدأ يومها الطويل من أيام الشتاء، كان شهر دجنبر شهرا مناديا بالعمل الشاق،تعد بعضا من البطاطس المسلوقة مع بيضة ،تجمع قليلا من حبوب الشاي مع قطعة من السكر فوقهما ورق النعناع. تضع ذلك في إبريق مظهره الخارجي يوحي أن عمره يزيد عن سنتين،ت رفقه بكأس زجاجي ثم بعض _القريشلات-كل ذلك يجمع. تنهي كلثومة صلاة الفجر، تذهب مسرعة إلى حظيرتها كي تطعم الخرفان فهي مجبرة على فعل ذلك، وإن لم تفعل سيصرخ الخرفان ويوقظون الجيران ثم ابنتها التي هي دائمة الشكوى منهم، تخرج الدجاج وتعطيهم حقهم من الوليمة أيضاً. تعود إلى المطبخ تشرب كأسين من القهوة، واحيانا الشاي مع خبز وقطرات من الزيت وضعت قبل في صحن صغير داخل الفرن، صوت الدا الحسين يصخب الاذنين مناديا ''كلثوم كلثووووووم ماس أتي نماطل تافوكت أيد يروحن ''تخرج كلثومة فتجيب أنها أوشكت على الانتهاء، ستنهي الكأس وتخرج. الدا الحسين هو الباطرون في عمل كلثومة وجارها أيضاً لهذا يسهل عليه أن يناديها كل صباح رجل طويل بشرته قمحية بوجه يملاه التجاعيد وفم خال من الأسنان دليل على كبر سنه فهو على مشارف الستين عاما. تقفل الباب وتسمع صوت ابنتها التي كانت صغيرة ولم تعد كذلكوهي تردد يوما ما سأخرج وألقنه درسا في الآداب، الناس لازالو نيام وصوته يعلو البلدة ياله من بليد ...تجيب كلثومة أيتها المشاكسة نامي فالرجل يكبرك كما يكبرني بسنوات، تجيب الإبنة:وما شأني أنا بذلك الساعة السادسة صباحاً عليه أن يحترم غيره، كل صباح يوقظني ولا أعود للنوم بسببه. تتركها كلثومة تعيد الحديث المحفوظ، فهي تدرك أنها سريعة الغضب لكن سرعان ما تهدأ أيضاً ،تعود إلى المائدة تتبع ما سبق قدراصغيرا من الحساء. لاتكاد تنتهي حتى تطرق فاضمة الباب معلنة أن وقت الذهاب حان. تفتح الباب تدخل فاضمة وتعيد أحدث الأحداث التي وقعت معها مساء اليوم السابق، تستمع كلثومة وتشاركها الحديث أحياناً، في الآن نفسه تلبس ملابس العمل. تزيد فاضمة من غضب الإبنة لكن لاتتكلم لأنها توقرها، تخرج المرأتان متجهتان نحو عربة سوداء مظهرها يعود لأيام الاستعمار، سائقها يحسب نفسه من النبلاء وتقلهما وأخريات. يستغرق وقت الوصول عشرون دقيقة، تصل النساء ساحة العرض. ساحة وسط أشجار الزيتون، التفاح واللوز التي تساقطت منها الأوراق. في أسفلها واد يحمل ماء المئات من الجبال ويظهر من كمية الماء به. المكان يصلح للإستجمام والتنزه جيداً إذ أن صفير البلبل وخرير المياه وطبيعة الجبال المقابلة تفتح شهية الأكل وتظفي راحة نفسية على المرء، إلا أن ذلك لم يكن كذلك مع كلثومة وزميلاتها. فالمكان ليس إلاّ دليلا على التعب والعمل المتواصل ثم طول النهار. يقع المكان وسط قرية بجبال الأطلس الكبير، تبعد القرية عن مراكش بحوالي مائة وعشرون كلم وتسمى ب "تنمل" يضعن مؤونتهن في جوانب أشجار الزيتون، ويكون ذلك الطقس معلنا عن بداية اليوم الجديد. يصل العمال الذين يسكنون قرية العمل، يصعد الرجال أشجار الزيتون وتبدأ الثمرات تتساقط لتغطي الأرض. في انتظار ذلك تذهب كلثومة لتجمع الحطب الذي ستوقده خدوج لتصنع الشاي للمسؤولين عنهم، فالأخيرة لا تفعل ذلك بإعتبارها زوجة للدا الحسين فهي تتعضم بذلك، امرأة متعجرفة لاتعمل لكن تتقاضى أجر العاملات أو أكثر من يعلم، يعاني جسمها من السمنة المفرطة، كيف لا وهي دائمة الخمول ملابسها متسخة وأسنانها متكلسة كما لو أنها أحجار بحر أصابها ما أصابها من المد والجزر. لون يديها مخالف تماما للون وجهها أظن أن ذلك يرجع للماء الذي لا يلمسهما إلا عند غسل الأواني مرغمةً. لاتحسن الطبخ، كثيرة الأوامر خاصة على كلثومة التي تستحي منها. ترجع كلثومة بأغصان الأشجار الذابلة، فتجد الرجال نزلو من أوائل الأشجار فتبدأ هي مع النساء جمع ثمار الزيتون، تمضي النساء الوقت بأحاديث عن مشاكلهن بسبب قلة المال أو عن أمراض بعض ممن يعرفون وأحيانا أنفسهن، ممكن أن تتضمن بعض ما قيل في الأخبار المسائية في التلفاز أو المذياع، ويمكن أن تكون مواعض دينة أكثرها يوم الجمعة. ونادرا أغاني أمازيغية بصوت كلثومة الذي يحضى بإعجاب كل من يسمعه، وفي الكثير حديث عن الناس. كلثوم أو كلثومة كما سماها أبوها إسمها هذا تسمعه من إخوتها و الذي سماها. أما زوجها،الجيران والناس ينادونها كلثوم كتلخيص أو عوضا عن الثقل. إمرأة بعمر الخمسين عاما، أم لثلاث بنات الصغيرة منهن تبلغ عشرون عاماً، ليست بالقصيرة ولا الطويلة، ذات بشرة بيضاء ومع شدة الشمس أصبحت سمراء، بجسد نحيف يفهم لما من عملها. إنسانة طيبة محبوبة عند الناس صبورة، كريمة، حنونة ثم أنها صادقة. مع العاشرة والنصف يحين وقت الفطور المساعد، صوت خدوج تنادي هيا هيا يسعد المساكين، يتوجهون نحو خدوج التي حطت الرحال تحت شجرة كبيرة من الزيتون، وقد أشعلت فيها كومة الأغصان وأخدت من قففهم الأباريق، أعدت الشاي للجميع. تجلس كلثومة مع فاضمة الأرملة أم خمسة أطفال امرأة انظمت إلى القرية التي تقطن فيها كلثومة قبل سنة والارقوش عجوز في السبعينات من عمرها لكن ذلك لايظهر على جسمها....
سعاد أيت بوزيد
التعليقات