إذا أردنا أن نقسم الناس لصنفين، فبالتأكيد سنصنفهم لأخيار وأشرار، وهذا طبعاً بديهي ولكن هل تساءلت من قبل عن سبب الشر الذي يكمن في بعض الناس؟
أتذكر أنه كان في فصلي الدراسي في المرحلة الابتدائية زميلاً مشاغباً يحدث بعض المشكلات مع بقية الزملاء، ولكنه كان ذكياً، ولما كان كل الأساتذة يعاملونه معاملة سيئة، انقطع عن المذاكرة نهائياً فأصبح فاشلاً ومشاغباً وكأنه أدرك أن النتيجة واحدة! حين انتقلنا للمرحلة الإعدادية ظل هذا الزميل معي في نفس الفصل ولكن الأساتذة كانوا يعاملونه معاملة أكثر احتراماً، فبدأ يذاكر من جديد ومع الوقت انقطع تماماً عن أذية زملاءه كما أن مستواه الدراسي كان إلى حد ما يتحسن تدريجياً.
أحياناً لا يكون الإنسان شريراً بمحض إرادته بل يستقي نظرته لنفسه من نظرة الناس إليه وتعاملهم معه، فإن كان الناس يعاملونه كشرير، وهو في الأصل ليس كذلك فإنه غالباً سيتصالح مع تلك الفكرة ويصير شريراً فعلاً، دعني اعرض عليك ما جاء به ڤيكتور هوجو في روايته (أحدب نوتردام) متحدثاً عن حالة "كوازيمودو" الأحدب النفسية ومدى تأثره بالمجتمع المحيط فيقول :
"من الآثار التي سببت له البؤس هو أنه قد أصبح خبيثاً، لقد كان في الواقع خبيثاً لأنه كان متوحشاً، وكان متوحشاً لأنه كان بشعاً، ولكن هذا الخبث خبث مكتسب لا فطري.
لقد كان منذ خطواته الأولي بين الناس يشعر بأنه مرذول، مهان من الجميع، فكان النطق البشري في شأنه سخرية أو لعنة ليس إلا، حتى أنه لم يجد خلال نموءه غير الحقد من حوله، فأخذ هذا الحقد واكتسب الخبث العام، لقد التقط السلاح الذي كانوا قد جرحوه به، علي أنه بعد هذا كله، لم يكن يلتفت إلى الناس إلا مُكرهاً، لقد كانت كاتدرائيته تكفيه فهي ممتلئة بصور الرخام، ملوك وقديسين وأساقفة ممن لم يكونوا يسخرون به، لأنه يشبهها إلى حد بعيد"
المجتمع في نظري هو الصانع الأول للمجرم، هو كذلك لديه القدرة على انتاج مواطنين صالحين، حين يكون الفرد في مجتمع يعامله كعبد مهان من المؤكد أنه سيشعر بالبغض تجاه ذلك المجتمع وقد يتحول إلى منتقم في أي وقت، ومن غير المنطقي أن نتوقع أن هذا الشخص سيمتص الإهانة وينتج الخير، والعكس طبعاً.
وأنت، هلا فكرت معي في مصدر تلك الشرور المنتشرة في العالم ومدى انتشارها، وسؤالي لك: متى يتوجب عليَّ أن اترك مجتمعي واذهب لمجتمع آخر أعيش فيه؟ وهل المجتمع حقاً قادر على جعلنا أشرار ؟
التعليقات