لقد أبدع كاتب الرواية "الورقة الخضراء" السيد يوسف حسين بإثارة فضول القارئ منذ أول حرف خط به العامود الفقري لروايته. فقد استطاع بانتقاله من حدث لآخر مع تعليقه المفاجئ لمسار الحدث تحفيز مخيلة القارئ وسحبه إلى آفاقها الواسعة وإثارة الفضول لديه. هذا الفضول الذي جعل القارئ في حالة شوق لمعرفة تتابع الأحداث حتى الخاتمة. أزد على ذلك، أنه استطاع أن يضع القارئ في حيرة. تساؤلات كثيرة تراود القارئ منذ لحظة ظهور الشخصية الرئيسية "داليا"، تاريخها شخصيتها أفكارها والأهداف التي تصبو إليها وكأنها لغزاً تحول القارئ إلى مفتش يبحث عن الحقيقة في الجعبة السوداء. كذلك الأمر ينطبق على شخصية "ساسانا"، هذه الشخصية الخرافية المحاطة بهالة لا يمكن أن يخترقها القارئ بسهولة ليعرف ماهيتها وهويتها. ثم حينما تتكاثف الشكوك حول شخصية "كمال"، هذه الشخصية العال عن كل الشبهات، تضع القارئ أمام حيرة وتساؤلات جمة: هل على القارئ أن يصدق حدس امرأة مجنونة بحبها لزوجها وتغار بشدة عليه، أم أن شكوكها في موضعها؟

تعدد في أنواع الرواية

في البداية يشعر القارئ أنه تائه بين عدة روايات. فما بين الرواية الواقعية، والفانتازيا والبوليسية يتساءل القارئ كيف استطاع الكاتب أن يوفق بينهم.

رغم أنني من غير المحبذات في جمع عدة أنواع من الروايات، وهذا رأيي الشخصي، إلا أن الكاتب بحنكته استطاع أن يجمع ما بينهم في عنصر هام جدا ألا وهو شخصية "داليا". هي ليست فقط المحور الرئيسي بل إنها أيضا الشخصية التي ستكون حاضرة في كل جانب من جوانب الرواية. فهي إن لم تكن حاضرة جسدا إنما طيفها حاضر دائما مع صديقتها الحميمة "ليلى".

أيضا استطاع الكاتب أن يوفق بانتقاله من مكان إلى آخر، من مصر إلى بوتسوانا، من الحياة المدنية إلى الحياة القبلية دون أن يشعر القارئ أنه يشاهد فيلمين في آن واحد. ولا بد من الإشارة إلى أن الكاتب يوسف حسين نجح ببراعة بفضل هذا الانتقال المفاجئ أن يظهر للقارئ التناقض التام ما بين الحياة المدنية والحياة القبلية سواء في العادات والتقاليد والحياة الأسرية والزوجية الخ...

هنا أتساءل إذا قصد الكاتب من خلال طرح هذا التناقض أن يضع القارئ في حيرة وتساؤل أو بالأحرى أن يترك له في النهاية الخيار ما بين وبين.

وأرجح أنه ترك للقارئ حرية الاختيار، فهو لم يناقش أبدا فكرة تعدد الأزواج للمرأة أو العودة إلى فطرة الإنسان، لكن تركها معلقة لخيار القارئ. وهذا ما يفسر خيار "داليا" بالعودة إلى حياة الأدغال في نهاية الرواية وخيار "ليلى" بأن تستكمل حياة متمدنة.

بقلم الأستاذة منى دوغان جمال الدين