راحت تضربُ بيدها فوقَ مقودِ سيارتِها، وهي تكاد ترقصُ على أنغامِ لحنٍ غربي شهير انبعث من كاسيت السيارة التي تجاوزت في تلك اللحظة أعتابَ المنطقةِ الثامنةِ في الهضبة الوسطى التابعة لحي المقطم، بينما كانت عيناها تتابعان أرقام الفلل ذات الطابق الواحد والمتناثرة على مساحات واسعة.. تحسست شفتيها بلسانها، قبل أن ترددَ في أعماقِها بجزل نفسَ عبارتها السابقة:
- كم يروقني هذا الجنون!
توقفت بسيارتها أمام ڨيلا تحمل رقم 13، وألقت نظرةً على ساعةِ هاتفها التي أعلنت تمام العاشرة إلا دقيقة واحدة قبل أن تغادرَها، وشفتاها ترددان:
- موعدٌ كهذا لا يمكنُ أن أتأخرَ عليه.
عاود لسانُها الكرَّة مع شفتيها مرةً أخرى، وهي تُلقى نظرةً على أضواء الشموعِ الخافتة التي بدت من نوافذ الڨيلا، وواصلت خطواتها عابرةً بوابة الحديقةِ الصغيرة في ثقةٍ وثباتٍ تُحسد عليهما، وكأنها ارتادت ذلك المكان من قبلُ عشرات المرات..
تناولت من حقيبتها زجاجة عطرِها الخاص ذي الرائحة النفَّاذة، وأغرقت رقبتها وكتفيها، وقبل أن تضغط الجرس وجدت البابَ يُفتح وحدَه، فابتسمت مرددةً عبارتها للمرة الثالثة، والرغبةُ بداخلها تتهيأ لإشهار كافةِ أسلحتِها:
- كم يروقني هذا الجنون!
وخطت بقدميها إلى الداخل قبل أن يُغلق البابُ مرةً أخرى لتضيع رائحةُ عطرها النفَّاذ وسط رائحة ذلك السائل الذي تناثر فوقَ وجهها، ليهوي جسدُها أرضًا، وقد فارقت وعيها.