كتاب التخلف الاجتماعي للكاتب الدكتور مصطفى حجازي، الواقع في 256 صفحة لدار النشر المركز الثقافي العربي.

الكتاب عبارة عن دراسة سيكوإجتماعية لمفهوم التخلّف كنمط وجودي و مظاهره الإجتماعية و النفسية على الإنسان باعتباره أسلوب عيش يتحكّم في تكوين السلوك الفردي، ما يسمح في وجود صعوبة تجاوز الانسان لهذا التخلف، نظرا لرسوخ خصائصه و آلياته داخل أعماق النفس البشرية وفي مختلف مظاهر البنيات الاجتماعية داخل المجتمع.

من خلال هذا الكتاب الذي قسمه الكاتب إلى 9 فصول، تناولت الفصول الاولى تعريفات مفهوم التخلف من خلال الإتيان بتفسير كل طريقة أو نظرية على حدة، كالنظرية السطحية ل " لاكوست" التي اعتبرت التخلف كظاهرة حديثة ودونية مرتبطة فقط بالدول النامية دون المتقدمة، ثم التيار الاقتصادي الذي يرى أن التخلف مرادف لبدائية وسائل الانتاج التي تؤدي لضعفه ثم دخل منخفض ثم الى الفقر، أما الطريقة الاجتماعية فتقول أن التخلف ما هو إلا حصيلة التبعية الناتجة لعلاقة التبعية و السلطة و الاستبدادية من خلال أنظمة الحكم و السيطرة و حرمان الانسان من إنسانيته.

ليأتي المنظور النفسي و يفسر " التخلّف" كاستلاب مادي و عقائدي ومظاهره تتجلى في وضعية المرأة في الدول النامية أضافة الى الاستلاب الاقتصادي و الاجتماعي الذي يؤدي في النهاية إلى الاستلاب الذاتي ( رضوخ / تسلط / قهر / اضطهاد ..).

يأتي هذا الكتاب لينزع الستار على السلوكات الإنسانية التي تحمل في طياتها تخلّفا دفينا بسبب المعتقدات و الموروثات والتمثلات الإجتماعية، من قبيل النمط الوجودي للعيش المتخلف الذي وصفه الكاتب بمجموعة من الممارسات التي تجعل الانسان يفقد قيمته و كرامته و إنسانيته و تنشئته..

تناول الكتاب الخصائص النفسية للتخلف والتي حددها الكاتب في ثلاث مراحل أساسية يمرّ منها الانسان المتخلف أو الشعوب المتخلفة، لمرحلة الاولى تتجلى في الرضوخ الظاهري و القهر لكن هناك عدوانية مخفية، وهي ازدواجية مخيفة تترجم في المراوغة و الكذب و التضليل و الرياء و الخداع الذي يحملها الانسان المتخلف، كما يصف الانسان المقهور بالعجز في التحكم بمصيره، ليقع أسير جدلية الزمان عبر ما يعانيه من اضطراب الديمومة، و يقصد بها أن الانسان المتخلف يكرر نفس المعاناة التي يعيشها في ماضيه ليحكم على حياته الآتية في الحاضر و المستقبل ما يحدد مصير التجربة الوجودية للانسان المتخلف، ثم المرحلة الثانية المتمثلة في الاضطهاد، في هذه المرحلة يصبح الانسان المتخلف بين رضوخ اضطهادي و اضطهاد تمردي، حيث يرجع امتدادها و شدّتها حسب طبيعة المجتمع في بنياته و تركيبته النفسية للأفراد.

كما يأتي التقصير الوجودي كخاصية نفسية مهمة يعاني منها الانسان المتخلف و المقهور، بحيث يحاول دائما إبعاد نفسه عن مركز الاتهام ، ليلوم الآخرين و يحمّلهم أوزاره و عجزه وفشله لانه لا يستطيع تحمل مسؤولية ذنبه مما يجعل الاعتداء عليهم مشروعا في نظره، هنا تأتي المرحلة الثالثة المتمثلة في التمرد و المجابهة و الثورة عن طريف العنف لتخليص الشعب المقهور نفسه من عقد النقص و الخوف و ينقي نفسه من آثار الاتكالية المفرطة و الكسل.

أما باقي الفصول فكانت تتمحور حول عوامل التخلف و العقلية التخلفية التي حددها في الشعور بالعجز عن السيطرة على الطبيعة و التاريخ، التمسك بالماورائيات الاعتباطية و الاتكالية بالجانب الباراسيكولوجي، تحكم التقليد في السلوك..

بالاضافة الى التطرق إلى وضعية المرأة في الفصل الأخير كعنصر اجتماعي يعاني بشدة من القهر و التهميش و العنف النفسي و المجتمعي بكل أشكاله، لتصبح المرأة حلقة ضعيفة في المجتمعات العربية بما تشهده من كل تناقضات المجتمع الذكوري و الطبقي الأبوي الليبرالي، و تخصيصها في صورة واحدة و هي " الامومة" التي تحمل بين ثناياها ملامح قهرية متسلطة تحت غطاء القدسية الى درجة تماهي بمجتمعها المتسلط.

هل قراتم للكاتب من قبل ؟ شاركوني قراءاتكم له أو أي كتاب مماثل لهذه الدراسات الاجتماعية و علم النفس الاجتماعي.