يوضح العقاد أن الغرض من كتابه "عبقرية محمد" ليس تقديم سرد للسيرة النبوية أو شرح للإسلام بل هو (تقدير لعبقرية محمد)، الأمر الذي يراه المسلم وغير المسلم -شاملا-لأن (إيتاء العظمة حقها لازم في كل آونة وبين كل قبيل) -خاصة-وأن الناس في عصرنا هذا (قد اجترأوا على العظمة ... بقدر حاجتهم إلى هدايتها). فهم (ينظرون إلى أقطاب الدنيا، كأن الأصل في النظر إليهم أن يتجنوا عليهم ويثلبوا كرامتهم، ولا يثوبوا إلى الاعتراف لهم بالفضل إلا مكرهين، بعد أن تفرغ عندهم وسائل التجني والتلب والافتراء).

حيث ان التعظيم عبقرية محمد في النفس قبل ان تبرزها الاعمال ويكتب لها التوفيق فهي قيمه يغالى بها التقويم

وإذا رجح محمد (صلى الله علية وسلم) بميزان العبقرية والعمل والعقيدة فهو نبي عظيم وبطل عظيم وانسان عظيم

يقول العقاد: كان عالما متداعيا قد شارف على النهاية... خلاصة ما يقال فيه: إنه عالم فَقَدَ العقيدة كما فَقَدَ النظام.... بيزنطة قد خرجت من الدين إلى الجدل العقيم .... وفارس سخر فيها المجوس من دين المجوس، والحبشة ضائعة بين الأوثان المستعارة من الحضارة تارة ومن الهمجية تارة.... وبين هذه الدول التداعيات، أمة ليست بذات دولة. في أيديها تجارة القوافل من خليج فارس إلى بحر الروم، أمة تيقظت لوجودها ثم رأت هؤلاء المحيطين بها يجورون عليها... فهرقل الرومي يرسل إلى مكة من يحكمها، أبرهة الحبشي يزحف إلى مكة بمن يهدم كعبتها وفارس تطغى على شرق البلاد وجنوبها، وفى مكة حالة لا استقرار فيها،  

فمن هنا الترف والطمع وتسخير الأقوياء للضعفاء...... ومن هنا الفاقة والحسرة والشك في صلاح الأمور.

وقبيلة قريش في مكة لها شعبتان: أحداهما من أصحاب الترف والطمع واستبقاء ما هو قائم كما كان قائما، والأخرى من أصحاب التوسط بين القوى المستبد والضعيف المكره.

وكان الرسول من بيت من تلك الشعبة الوسطى له كرم النسب وليس له لؤم الثروة الجانحة، ذلك هو بيت عبد المطلب من صميم قريش ومن أشرف عشائرها -إن لم يكن معدودا من أثرائها-ورأس هذا البيت (عبد المطلب) -وهو سيد قومه-(رجل قوى الخلق حكيم - مع قوة طبعه- وأب من طينة الشهداء، يتجه إليه القلب بكل ما فيه من حب ورحمة، أقام مع عروسه ثلاثة أيام ثم سافر ليتجر فإذا هي السفرة التي لا يؤوب منها الذاهبون.

كان النبي نبيلا عريق النسب، وكان فقيرا لا يطغيه بأس الأغنياء، وكان يتيما بين رحماء... فليس هو المدلل وليس هو المهجور المنبوذ الذي تقتله القسوة.

 نشأ خبيرا بضروب العيش في البادية والحضر. تربى في الصحراء وأَلِفَ المدينة، رعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء. فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون .... وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه فلا هو يجهلها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لجتها.

أصلحُ رجلٍ مِن أصلحِ بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرتقبة. قد ظهر ومكة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة إليه، والجزيرة مهيأة لظهوره لأنها محتاجة إليه، والدنيا مهيأة لظهوره لأنها محتاجة إليه.

قالت حوادث الكون: لقد كانت الدنيا في حاجة إلى رسالة....

وقالت حقائق التاريخ: لقد كان محمد هو صاحب تلك الرسالة.

ولا كلمة لقائل بعد علامة الكون وعلامة التاريخ.