"حي الدهشة" هي الرواية الأولى التي أقرؤها "لمها حسن"، دفعني لذلك شيئان، الأول: أنها ابنة مدينتي حلب، ومدار أحداث هذه الرواية يقع أيضاً في حلب، وأنا أحبّ أن أرى مدينتي بعيون كتّابها وأدبائها.
والثاني: هو ترشيح روايتين للكاتبة ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر (حبل سرّي 2011، الراويات 2015)؛ وهذا يعني أنّها كاتبة متمكّنة؛ فيما لو اعتبرنا أنّ للجنة الجائزة معاييراً حياديّة.
وقد رأيت في الرواية سلبياتٍ وايجابيّات (من وجهة نظري كقارئ) أفنّدها لكم ضمن النقاط الآتية:
تحكي الرواية قصة فنّي الحدادة "شريف" الذي أكرهته أمه على الزواج "بمديحة" ابنة خالته (وكذلك الأمهات يفعلون)، فكان زواجهما عسيراً لايرقى إليه حبٌّ واتفاق. ويحصل أن تأتي إلى حي (الهلّك التحتاني) وهو حيٌّ شعبيٌ معروفٌ في حلب طبيبةٌ متخصصة بالأمراض النسائية اسمها "هند" وتفتح عيادتها مقابل دكان "شريف"، وعملاً بسُننِ المسلسلات العربية فإنّ حبّاً جارفاً سيجمع بين الطبيبة والحدّاد الذي سيذيب قلبها في كيره الحامي بعد أن يدقّ مسامعها باهتمامٍ وكلامٍ معسولٍ كانت تفتقده في حياتها وتشتاق إليه.
تشتعل الغيرة في صدر "مديحة" زوجة الحدّاد ويُوغر صدرها اهتمامه العلني بالطبيبة فتكيد لها لتحمي أسرتها المهدّدة بالتفكّك، وهنا تدخل "سعاد" على خط الأحداث وهي فتاةٌ مطعونة الشرف، تخرج إلى شرفتها بعريها الفاضح وترقص للرائح والغادي بغنجٍ ودلال، فتنالها سهام عين الحداد وتصيب منها مقتلاً فيلتقيان ذات يومٍ في مدخل المبنى عند الدرج (بير السلّم) فيلوذان بزاويةٍ مظلمة ويتبادلان دعاباتٍ غير بريئة، وهنا ولِحَظّه العاثر تصادفه الطبيبة "هند" بجرمه المشهود وانتصابه البادي رغم الظلمة الحالكة فيفطر قلبها بخيانته لها فتقرّر الرحيل عن الحارة وتضع على شرفة عيادتها عبارة (برسم البيع).
تدفع الكاتبة قارئها ليتفاعل إيجابيّاً مع الطبيبة "هند"، وعلى عكس ذلك تبني لنا شخصية "مديحة" زوجة الحداد بناءً يستفزّ القارئ ويزعجه، وهذا ينافي حقيقة الواقع، إذ أنّ الطبيبة هي الدخيلة على الأسرة ومن فرط أنانيّتها تخطّط لانتشال "شريف" من أحضان أسرته لتملأ فراغاً في حياتها. و"مديحة" رغم مكرها فإنّها معذورة وكل تصرفاتها يسوّغه حرصها على أسرتها وبقاء زوجها إلى جانبها.
نحن الآن في منتصف الرواية وما بعدها متروكٌ للقارئ الذي سيجد خطوطاً دراميّةً أخرى وكلها متفرّعة عن سياق الأحداث الأساسي المذكور آنفاً. وبالمجمل أراها قصّة عادية ومطروقة وتشبه كثيراً أفلام السبعينيّات العربية التي تدور حول الحبّ الضائع والهوى الذي لايسكن القلوب إلا لماماً إذ يُسرع إليه العطب والزوال لأنّه لايجد ظروفاً مواتية تقيم أوده وديمومته.
لم توفّق الكاتبة في تقديم صورة حقيقية عن حلب!. يمكنني القول وأنا ابن هذه المدينة التي لم أغادرها حتى وهي في أحلك ظروفها أنّ حلب الحقيقية مغايرة تماماً لحلب "مها حسن".. وربما تذكّرت الكاتبة أنّ الحرب التي كانت دائرة في البلاد تُلهب مشاعر القرّاء (السوريين منهم خاصةً) فعرّجت على ذكرها في صفحةٍ واحدةٍ متأخرة دون أن توظّفها في سياق الحدث وانفعالات الشخصيات، فجاء حديث الحرب محشوراً في قصةٍ مدارها غِيرة النسوة ومكائدهن للفوز بالرجل الفحل؛ وهذه سقطةٌ لها لاتُغتفر ولا تبرّر.
أعجبني استخدام الكاتبة أسماء رواياتٍ عربية وعالمية في بدايات فصول عملها، من خلال هذه العناوين يستشفّ القارئ المحتوى القادم ويتفاعل معه ويسعى لتكهّنه، وهو تصرّفٌ جميلٌ من الكاتبة أغبطها عليه.
استخدمت الكاتبة لغةً عادية (أو أقلّ من عادية) إذ لم تفيدني في كل الرواية بتعبيرٍ جديدٍ، أو تذكّرني بلفظةٍ غير مطروقة، أو تركيبٍ مختلق، بل جاءت لغتها مشابهة لمواضيع التعبير التي يكتبها طلاب المتوسط (الإعدادي)، بل أكثر من ذلك؛ صادفتني فصولاً كان يمكن أن تؤدي الغرض ذاته بنصف عدد الصفحات لو استخدمت تقنياتٍ سردية ولغةً موجزة تتيحها ذخيرة الأدب.
لن أحكم على أدب "مها حسن" من روايةٍ واحدة، أظلمها إن فعلتُ ذلك، ولكنّي وضعتُ روايتها (حبل سرّي) ضمن أجندة قراءات هذا العام لعلّني أجد فيها ما افتقدته في هذا العمل.
صدرت الطبعة الأولى من الرواية عن دار سرد ودار ممدوح عدوان عام 2018، وتقع في 234 صفحة من القطع المتوسط، و مجمل القول: هي رواية متوسطة الجودة يمكن لمتابعي المسلسلات أن يقرؤوها خلال الفواصل الإعلانية.
التعليقات