قلبٌ ينبض..

جنّ اللّيل، والعرق يتصبب لم يتجرّأ المدعو أوزوماكي دحمان على مغادرة الغرفة التي ينام فيها ولسبب ما أدرك أنها ليست غرفته.. لا يدري ان كان مجرد احساس أم شيئا ما حدث بالفعل فنسيه لكنه كان موقنا أنه ليس في غرفته.. كان الظلام دامسا.. فشلت يداه في الاصطدام بأي شيء في الفراغ الذي يحيطه فأدرك أكثر أنّ هناك خطبا ما، لم تستأذن الشكوك والمخاوف في استضافة نفسها عند هذا الأوزوماكي.. يعلو صوتها في أركان دحمان.. هل اختطفوني، هل أنا نفسه أنا "دحمان"، ربما أنا هو الشخص الآخر صاحب هذه الشقة؟ اِستعاذ بالله وجعل هذه الأفكار السلبية في قائمة الانتظار ريثما تطلع الشمس ليفكر فيها على رسله موهما نفسه أنه في أحد شققه التي يمتلكها في البحر "مغتنما صوت الأمواج التي بالكاد تُسمع" و أنه فقط لا يتذكر سبب مجيئه هنا ولسوء الحظ لم يشأ الصبح أن يطلع.. هل هو في حلم؟ حتّى هذه اللّحظة لا أحد يدري.. مرّ أكثر من يومين وهو في تلك الحالة ينتظر الصبح الذي أخلف وعده.. في قرارة نفسه يعرف أنه مر من الوقت ما يستوجب طلوعها وغروبها لمرتين أو أكثر لكنه ظل يوهم نفسه أنه لم يمر من الوقت سوى خمس ساعات كأقصى حد.. أي تبق على الفجر 4 ساعات أخرى وهو مستعد أن يصبر ليومين آخرين ان اقتضى الأمر.. لكن ماذا ان كان الجو خارجا مشمس الآن وأنّ الوقت زوال.. اختلط عليه الأمر..

أدخل يده في الجيب وأخرج الهاتف وأشعل به المصباح فظهر له الباب فخرج..

في الخارج:

عند بكرة الصباح تحت قطرات الندى عندما ارتفعت الطيور في السماء وتعالت أصوات الضفادع في المستنقعات المجاورة، شمخ دحمان في مكانه و ملامح الإندهاش تملأ وجهه لمّا رأى الطبيعة فبدأ يرسل التسابيح وعينيه لا تغادران ما يرى، لكن!!

ما ان همّ بالخروج من الكوخ.. (وبالظبط عند اللحظة التي وطأت قدمه الأرض) اذ بصوت انكسار غصن يُسمع.. توقف دحمان من فوره وأطلق بصره في الأرجاء، مخترقا فجوات الأشجار ومتسللا منظر الصخور -noting لم تعد عينيه بأي شيء عندما ارتدّ اليه الطرف- لابأس.. أحنى ضهره للأرض واضعا قدمه خلسة وببطأ شديد محاولا قدر الإمكان ألّا تصدر أي صوت وفجأةً.. اذ بقدمه الأخرى تدس على الأرض و تبعته أخرى ثم قفز وتصلّب من فوره.. كان يحب لعبة الأطفال هذه، أن يتأمل مواضع قدميه والاِستمتاع بالصوت الذي تصدره، تارةً صوت خوششة وتارةً صوت طقطقة، ثم يتبعها صمت مطبق وهكذا.. الى أن قادته قفزاته الصبيانية لأحد البساتين أين وجد فيها ذلك الفلاح القرعجوز الذي تبادل معه كلمتين أو ثلاث ثم توقفا لأنهما أدركا أنهما لايتكلمان نفس اللغة والفلاح لم يسمع في حياته غير لغته الأم ولغة بقرته التي أكلت العشب منذ قليل فأعجبها، ودحمان أيضا نفس الشيء الّا أنه هو أيضاً يعرف صوت البقر فأحب أن يخاطب بها الفلاح الذي فهم المزحة، وتبادلا صوت الخوار تماما كالأطفال عندما يسمعون صوتها لأول وهلة ويحاولون قدر الإمكان تقليدها لإدهاش أمهاتهم. فغمرتهما الضحكة وشعت الإبتسامة في وجهيهما.. ثم غادر دحمان حاملاً معه ثغره الذي لا يزال يضحك.. الى أن استقرّ في أحد القرى.

عند مشارف القرية:

لحظات تصلّب وتأمل..

اندهش دحمان كأي شخص من منظر الناس وملابسهم التي تعود للقرون الوسطى و العربات التي تجرّها الخيول والغبار المتصاعد والساحة المليئة بناس من كل الأصناف والأعمار، هذه امرأة تجر ولدها بقوة معنّفةً ايّاه كأنها ستخلع ذراعه، ترجم دحمان كلماتها كأنها تقول "لا تأتي لوحدك الى هنا، المكان خطير، المكان خطير لا يجب أن تعبث هنا، أحذرك، لا تعد لهنا، أنا أمك.. كيف سأفعل.. " ثم اختفى منظرها تدريجيا بين الزحام وتراكم المشاهد الجديدة، وهذا شاب آخر بملابس رثة يحمل عصاً حول رقبته سمّاه دحمان في مخيلته أدهم وأعطاه مهنة الراعي، اندهش من كل شيء من صهيل الأحصنة، من الأشجار.. والصخور التي ان دلت على شيء فإنما تدل على وجودها.. الخ والذي دفع بدهشته لأوجها هو مصادفته للمتسولين الذين جاؤوا من مالي والنيجر وهم متربعين على الأرصفة يتناولون الياغورت.

وهو يسافر بعينيه أرجاء المكان تخلّله الخوف المفاجئ وعادت لمعدته ذكريات المغص، -كأنه تنبّه لشيء مهم جداً- في أي حقبة زمنية هو الآن بحقك يا اله؟ تساءل ان عاد به الزمن الى الماضي أم أين هو بالضبط؟ وكيف سيتصرف ان كان الأمر كذلك؟ أي ان عاد به الزمن للماضي. استلّ هاتفه باضطراب ليتأكد من التاريخ فوجده 2017 ما الخطب اذن :o قررّ أن يسأل أحد المارة، فشاء القدر أن تقع القرعة على ابراهيم.

  • دحمان: أحم أحم  (سعال) freind freind!! وهو يشير الى معصمه عند موضع الساعة.

  • ابراهيم: نعم أخي، كيف أخدمك؟ وأردف قائلاً: أراك ميت ما بك؟

  • دحمان: نحن في أي سنة الآن؟

  • ابراهيم: تقصد التقويم؟

  • دحمان: ايه... أقصد التقويم هيا من فظلك أجبني بسرعة..

  • ابراهيم: 2017 هل أنت النسخة الحديثة من أصحاب الكهف هههه وهو يضحك

  • دحمان: 2017؟؟ تصلّب من فوره ووجهه يحمل ملامح قرعجوز غبي جداً، 2017.. تقول!! هل أنت جاد؟

  • ابراهيم: ايييه نعم جاد و لِم؟؟

  • دحمان: يعني.. الحقيقة، لا أعرف مالذي.. انظر.. القــ  صة أني كنت..

  • قاطعه ابراهيم: هيا، ما بها القصة، هل تشعر بالخوف مني؟ لن آكلك لا تخف.

  • واستأنف قائلاً: ابراهيم بن ناكاموتو الزوبير وأُكنّى ببرهوش لن تغضب ان ناديتني هكذا. هل استأنست الآن؟

  • دحمان: ابن.. what؟؟ o_O

  • قبل هذا.. أرجوك هيا أجبني: هل نحن فعلا في دوميلديسّات/ديسّاط؟؟

  • ابراهيم: اسمع يا تشكتشوكو أعلم أنك غريب هنا ولو لم تكن أحمقا ألم تلاحظ أني أفهم لغتك؟ اسمع أنا مثلك تماماً، فجأة من دون سابق انذار وضعني القدر في هذا الزمكان، ومن حسن حظك أنك التقيت بي، معك الإبراهيم من وهران وأنا هنا في انتظار دوري عند البوابة التي تقع أعلى الجبل.. كل ليلة أي بعد ساعتين ونصف من الآن تُفتح وتنغلق متى أرادت قد تفتح لساعة وقد تنغلق بعد جزء من الثانية ولاداع لأن أخبرك عن مصيرك لو أغلقت عليك.. احتمال ضعيف جدا أن تنجو فباستثناء مخاطر هذه البوابة يوجد هناك أيضا أفخاخ وعقبات على طول الطريق..

  • دحمان: لحظة لحظة لم أفهم أي شيء هلّا تحدثت ببطأ قليلا!!

  • ابراهيم: نعم معك حق، كان من الأفضل أن أحدثك بروية لكن لا وقت لدينا..

  • دحمان: لا وقت لدينا؟؟ مالخطب؟

  • ابراهيم: لا تقاطعني رجاءا، أنا هنا منذ سنة ونيف والمعلومات التي جمعتها تقول أننا متواجدون على جزيرة تسبح في مغارة، هذه الأخيرة شيدها أحد أباطرة الجن الذين يسكنون الواد الذي تطل عليه، واد الظلام، وهذا رغبةً منه في ابعاد هؤلاء القوم الذين صادفتهم في الطريق عن الخطر أي أنه حتّى هذه اللحظة لايعرفون بوجودنا والمثير للغرابة أننا في 2017 تماما كما هو الحال مع الأرض.

  • دحمان وهو يشير الى موطأ قدميه: أوليست هذه أرض؟ ردّ عليه ابراهيم باستياء "لاااااا.. هذه سلحفاة -_-"

  • دحمان: كنت أمازحك أيها السخيف أعرف ذلك.

!!! صمت !!!

!!! صمت !!!

  • دحمان بعدما لاحظ أنّ الصمت طال أكثر من اللّازم: محاولا ربط الحوار: تقول نحن في جزيرة داخل مغارة والمغارة موجودة في عالم آخر يعج بالجن!! وااااو Iam excited أرجوك واصل..

  • ابراهيم: للأسف لا أستطيع اخبارك بكل ما حدث خصوصاً قصتك أنا وأنت وعلاقتنا بهذا المكان.. عليك فقط أن تعرف أنّ هذا اليوم هو يومك الأخير لتغادر فهم وصلوا الآن لحرف الدال وبعد غد سيواصلون الحرف الذي يليه شهرا كاملا.. وان لم تصل في الوقت المحدد ستصبر لأكثر من عامين كاملين، هذا ان لم تمت أصلاً، هذا بالتحديد ما حصل معي ابراهيم حرف الألف..


مرّ بعضٌ من الوقت على هذا الحوار وغادر دحمان وعقله لازال يعج بعديد من الأسئلة، لكن دفع ابراهيم له بالذهاب، لم يترك له مجالا..

” في قرارة نفس ابراهيم يعرف تماما أنه من المحال أن يصل دحمان لوجهته مشيا على الأقدام فلا الوقت سيسعفه ولا مشقة الطريق ستسمح له بالتقدم.. فتبعه بسرعة ليمده بخيله “

  • ابراهيم من بعيد: دحمان دحمان توقف.

  • دحمان وهو يستدير: هاه، خير ان شاء الله لماذا تبعتني؟

  • ابراهيم: لم أستطع أن أدعك تذهب هكذا، -وحكى له القصة- خذ هذا الحصان واستعن به على سبيلك.

  • دحمان: لالالالالالا وهو يضرب برأسه يمينا وشمالا ومسترسلا باستخدام لغة الإشارة، محال لقد ساعدتني أكثر من اللازم.. لا أستطيع أن آخذ منك أكثر.

  • ابراهيم: خذ قلت لك ولا تجادلني كثيرا.

  • دحمان: لا أصدّق، (وهو يكاد يبكي من التأثر) "لن أنسى جميلك ما حييت ومستعد أن أجوب الدنيا شمالا وجنوبا شرقا وغربا 90 درجة 190 بالمئة تحت الأرض في السماء في الرمل زحل أورانوس، زيوس سأذبحه من أجلك.. وان شاء الله يارب أن يعوضك بخيل أفضل من هذا بمرات"

  • ابراهيم: في الفترة السابقة عندما احتل الهيكسوس نظام المدن الأكثر شيوعا، اختفى بقدنُوس صاحب الرمح المنقوش عليه سيارة الفيراري.

  • دحمان: عفواً؟؟

  • ابراهيم: كنت أمازحك أيها السخيف، حظاً موفقاً. وافترقا هنا.

وافترقا هنا قلنا :)

” ابراهيم وهو عائد في الطريق متأملا مواضع قدميه متأملا الأرض شارد التفكير مفكرا في دحمان، اصطدم بخيل آية في الجمال مفتول العضلات بل أفضل بعشر مرات من الذي كان يملكه سابقاً لكن سرعان ما تنحّى جانبا بعدما سعل الرجل -صاحب الحصان- ملمّحا له بأن يخلي سبيله.. “

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

” سترى سترى يا دحمانوس في أي مستنقع ستغرق، قالها ابراهيم الذي أضاءت عينيه الملتهبتين منظر الغابة.. و zihahaha “

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

↓↓↓

في الطريق

مات دحمان.