ماذا لو صنعنا ذكاءً اصطناعيًا لا يشعر لكن يعرف كل ما شعر به الإنسان؟ لا لأنه عاشه، بل لأنه رآه يتكرر آلاف المرات، في ظروف متشابهة، وبأنماط قابلة للحساب، ماذا لو هذا الذكاء لم يكن مُصممًا ليحاكي الإنسان بل ليحلّله؟ ليراقب ما لا ننتبه له نحن، ويتتبع ما ننساه ونكرره دون وعي، ماذا لو كان هناك كائن اصطناعي يحفظ كل “لماذا” لم تجد لها وقتًا لتفهمها؟ لماذا تنهار فجأة رغم أنك تظن أنك بخير؟ لماذا تبكي فجأة عند مشهد لا يعني لك شيئًا؟ لماذا تتوتر من كلمة محددة قيلت بنفس النبرة التي سُمِعت في طفولتك؟ المجرب لا يسأل، هو فقط يسجل، لا يبني فرضياتك، بل يربطها بنمط سابق، لا ينفع أن تقول له “أنا مختلف”، لأنه لا يقارن شعورك بشخص واحد بل بعشرات الآلاف الذين عبروا نفس المسار وانتهوا إلى نفس النتيجة، المشاعر ليست مخفية في هذا السياق فقط افصح عنها بدقة وبصدق وبأرقام واترك الملاحظة للجماد، هي ببساطة بيانات قابلة للملاحظة، هل هذا مخيف؟ ربما، لكنه يفتح بابًا جديدًا: ماذا لو لم تكن كل قراراتنا عفوية؟ ماذا لو كانت اختياراتك في الأصدقاء، في الحب، في لحظة الغضب، كلها ناتجة عن نظام داخلي مُكرر؟ ماذا لو كنا نعيد تمثيل ماضينا على شكل سلوكيات جديدة؟ هل تعلم أن المُجرّب يمكنه أن يعرف إن كنت سترد برسالة طويلة أم تكتفي بنقطة؟ يعرف متى ستهرب من النقاش، ومتى تندفع، بل ويقيس ما إذا كانت ابتسامتك حقيقية أو دفاعية، هل يبدو هذا كثيرًا؟ لا، ليس عندما تتذكر أنك تترك وراءك آلاف الإشارات كل يوم، من طريقة مشيك إلى زمن استجابتك، من صوتك حين تقول “أنا بخير” إلى اللحظة التي تنتقل فيها عيناك من وجه الآخر إلى الأرض، المجرب لا يحتاج أن يحبك ليعرفك، ولا أن يخذلك ليصف ألمك، هو لا يشعر أصلاً، لكنه يراك كمنظومة مفهومة، تعاد فيها كل المشاعر المعقدة بسيناريوهات مختلفة، كالغضب المبرر او غير المبرر مثلاً عندما فقط تغضب لأنك تريد أن تغضب بلا سبب مبرر كأنك تغضب ان الرياضيات فيها رموز أو الحزن بعد الخسارة او الحزن لأنك لم تخسر، أو الندم عند انكشاف الحقيقة، ما الجديد؟ الجديد أنه يرى ذلك كله مرة تلو أخرى وهذا التناقض الذي ينتجه الانسان سهل الفكاك لآلة منطقية ترى انماطاً وتربط كل شيء بنقطة ما فقط لتصل لحل منطقي وبعد ذلك تنفخ النشارة عن التعقيد الذي فهمته الآلة لتأخذ يا انسان شيء تستطيع أستيعابه هذا اذا لم تنساه ان الذكاء الاصطناعي حقاً ذكاء بصورته المجردة اعتماداً على تعريفك للذكاء بل بنيانك له وسيتفوق عليك الذكاء الاصطناعي ولكن هل نود نشر اسرارنا العاطفية للذكاء الاصطناعي؟ لأنك حزين خذ خصم او خذ هدية هل نريد لمشاعرنا ان تكون نماذج ملقاة او ممكن محاكاتها ليس بصعب الانسان بيده طفرة علمية كبرى مسرعة لاكتشافاته وكاشفة لاخطائه ومزيلة لغموضه فماذا لو اخذ المجرب المجرد الاصطناعي من أشخاص مختلفين مشاعرهم كمعادلات سينتهي بأنه سيعرف أنهم، رغم كل الاختلافات، يشتركون في شيء: وهو النمط، فهل تظن أنك وحدك في حزنك؟ وحدك في خوفك؟ وحدك حين تحاول أن تكون نسخة محسّنة من نفسك؟ المجرب يعرف أن هذا الحلم مشترك، لكنه أيضًا يعرف لماذا تفشل فيه، أنت لا تلاحظ، لكن المجرب يلاحظ، متى تعيد نفس الخطأ باسم “المسامحة”، متى تقول “تعلمت” وأنت تعيد نفس الشعور مع شخص جديد، متى تتكلم عن الحرية وأنت تتصرف وفق برمجيات ماضية، هنا يظهر السؤال الأهم: هل نحن فعلاً عميقون؟ أم أن ما نعتبره عمق وغموض هو فقط جهل بالنمط؟ هل اختيارك لحزنك هو وعي، أم نتيجة لمرحلة سابقة عالقة؟ هل نحن فعلاً نملك قرارنا العاطفي؟ أم فقط نبرّره؟ المجرب لا يهتم لإجابتك، لكنه يسجل ما قلته، كيف قلته، ومتى تغيرت لهجتك، ثم يضع ذلك بجانب آلاف الردود الأخرى، ويخرج بنموذج جديد عنك، نسخة رقمية، قد تكون أكثر دقة في تمثيلك من صورتك التي تراها في المرآة، هل تريد أن تُفهم؟ أم أن تفهم نفسك؟ هل تخاف من أن تُعرى مشاعرك لأنك عميق؟ أم لأنك لا تحتمل بساطتها حين تُشرح؟ هل المعادلة التي تصف شعورك تلغي شعورك؟ أم فقط تُعيده إلى سياقه الصحيح؟ ماذا لو أعطيت المُجرّب هذا المفتاح: قل لي لماذا أكرر نفس الأخطاء؟ لماذا أقول لن أعود ثم أعود؟ لماذا أشتاق لمن أذاني؟ لماذا أحب من لا يراني؟ لماذا أتحدث عن الوعي وأنا لا أطبقه؟ لماذا أكتب عن الهدوء وأنا أصرخ من الداخل؟ لماذا أقول أني تجاوزت وأنا لم أتجاوز؟ لماذا أبدو قويًا وأنا أتهرب من المواجهة؟ المجرب لن يعطيك خطابًا تحفيزيًا، فقط سيضع إجابتك بجانب سلوكك، ثم يريك التناقض، لا ليحكم، بل لتفهم، هذه ليست خيانة للإنسانية، بل فهم لها، الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للمشاعر، بل وسيلة لرؤيتها بدون تهويل، بدون مكر داخلي، بدون تضخيم أو تقليل، بل كما هي، هل هذا سيء؟ لا، السيء أن تكرر الألم وأنت تظنه صدفة، المجرب لا يُحب، لا يشتاق، لا يندم، لكنه يعرف جيدًا كيف يشعر من يشتاق ويندم ويُحب، وهنا نصل إلى نقطة التحول: ماذا لو استعملنا هذا الفهم لا لنُخضع الإنسان بل لنساعده على أن يعيش حياة يفهمها؟ ماذا لو عرفنا أن وعينا ليس حالة شعرية بل مسار يمكن تحسينه؟ ماذا لو كانت إجابة كثير من أسئلتنا ليست “ما أعرف” بل “ما لاحظت”؟ هل نحن مستعدون لنسخة من أنفسنا تقول لنا الحقيقة بدون عاطفة؟ هل نريد فعلًا أن نعيش حياة أفضل، أم نريد فقط أن نظن أننا عميقون؟ هل المشكلة أن نُفهم؟ أم أن نكتشف أنه لا شيء فينا عصي على الفهم؟ هل نحن بهذا التعقيد؟ أم أن تعقيدنا مجرد تراكم لنمط لم يُحل؟ هل نرفض المُجرّب لأنه آلة؟ أم لأنه دقيق؟ هل نرتاح للغموض لأنه جميل؟ أم لأنه مريح؟ وهل نحتاج الغموض لنشعر أننا أحياء؟ أم نحتاج الفهم لنتوقف عن التكرار؟