إن الجهاز الذي ينفذ قرارات الملك هو السلطة التنفيذية؛ إذ «تعتمد هذه الوظيفة [السلطة التنفيذية] على تطبيق اللحظة الكلية التي تمثلها القوانين والدستور، على الحالات الفردية والمصالح الخاصة»،([1]) إضافة إلى ذلك، يتدخل القضاء والقوة العامة (الشرطة) أيضا في هذه العملية؛ نعني بها متابعة قرارات سيادة الملك وتنفيذها. ولأن هيغل يجعل كل المصالح تدور حول محور كليّة الدولة بوصفها الغاية النهائية، فقد نتج عن هذا تَكَوُّن علاقات حيةْ داخل كيان الدولة، إحداها المصالح الجزئية التي يشترك فيها الناس في علاقتها بالمصالح الخاصة، هذه العلاقة تقوم على الثقة، وتعتمد في تأطيرها على النقابات وموظفي الدولة وإدارييها. ويقتضي الحفاظ على شرعية الدولة في دائرة الحقوق الجزئية، حسب هيغل، أن يتدخل الملك في صورة غير مباشرة؛ أي عبر رقابة اللجان الاستشارية (السلطة التنفيذية والسلطة العليا). وبحكم صراع المصالح الخاصة مع المصالح الجزئية في المجتمع المدني، تنشأ «الروح النقابية»، كما سماها هيغل، التي تدعمها الدولة باعتبارها أحد الأسس التي تنبني عليها الدولة، ولأن أعضاء النقابة هم المواطنون، فقد جعلهم هيغل المنبع العاطفي الذي تتزود منه، ذلك لأن: «سر وطنية المواطنين، بمعنى أنهم يعرفون أن الدولة هي وجودهم».([2]) والحق أن هيغل وصف النقابة بِقِصَر النظر، على عكس الدولة التي تتميز ببعد النظر، وهنا يشير إلى إمكانية فقدان موظفي الدولة لاستقلاليتهم بحكم تقارب علاقتهم مع أتباعهم من النقابيين. وفي هذا الصدد يعيبُ هذه العلاقة ويصفها بالحرية الشكلية؛ لأنها تدخل في دائرة الجزئية والعرضية، وتؤثر في جودة العمل والتنظيم.

ويذكر هيغل أن السلطة التنفيذية في معرض تقسيم عملها، يكون تنظيم وظائفها أمراً مُلحاً؛ لذا ستنظم كلاً من الحكومة والحياة المدنية في خط عمودي على مستوى الإشراف والعمل، وهذه الوظائف تتميز بموضوعيتها ووضوحها، لذا ففي الجانب الذاتي من اختيار الموظفين، يُسمح للأفراد بالعمل في الخدمة العامة؛ شَرطَ كفاءتهم وجدارتهم، وعند تعيينهم تصير العلاقة بين الوظيفة والموظف قائمة على العرضية، في حين أنه في الجانب الموضوعيّ حسب هيغل، فإن الملك هو من يعين الموظفين الرسميين، لذا يصير لزاماً عليهم تحقيق واجبهم في غياب العرضية، فضلاً عن استحقاقهم لأجرة مؤمَنّة، واستقرار ذاتيّ. ويضيف هيغل أن الدولة لا تعتمد على الخدمات الطارئة، بل على «الموظف الذي يثابر في وظيفته على نحو بسيطٍ وخالصٍ؛ لأنها وسيلة رزق بالنسبة له».([3]) بحيث يصبح العمل نفسه إشباعا لحاجاته الذاتية، وهنا يكمن الرابط بين المصالح الجزئية والكلية حسب هيغل؛ لأن «ما تتطلبه خدمة الدولة حقاً هو أن يمتنع الناس عن الإشباع الأناني لغاياتهم الذاتية، وبهذه التضحية يصبح لديهم الحق في أن يجدوا إشباعهم في تأدية الواجب فحسب»،([4]) أما علاقة موظف الخدمة المدنية بعمله، فهي علاقة قائمة على الواجب، إذ «العمل الذي يفرض عليه أو يعهد به إليه ليس عملاً جزئياً خاصاً خارجي الطابع، وإنما قيمة مثل هذا العمل شيء داخلي»،([5]) ومنه فأي انتهاك لهذا الواجب هو انتهاك للكلي ذاته؛ الأمر الذي سيؤدي إلى اعتباره جريمة حسب هيغل.

وتوفر السلطة العامة لموظفيها الدخل الثابت، وتحميهم من أذى المحكومين، كما أنها تحمي أيضاً المواطنين من بطش الموظفين والوزراء، بحيث تتكفل النقابات بحماية حقوقهم على مستوى أفقيٍّ. بيد أن معيار رضا المواطنين عن الحكومة، يتجاوز الثقة إلى متابعة الإنجازات والمشاريع في تنفيذها؛ بل إن السلطة العامة تحمي الرؤساء أيضاً من كيد الموظفين، وفي هذا الصدد جعل هيغل السلوك المؤدَّب المتعين في موظفي الخدمة العامة ثمرةً للتربية التي اكتسبوها من تعلمهم لمواضيع الإدارة والأعمال، فضلاً عن اتساع رقعة العقلانية في الدولة الذي يقلل من حدة الاضطرابات الأسرية، حيث تتوارى المصالح الأنانية لصالح المصالح الكلية. إن موظفي السلطة التنفيذية هم أساس الطبقة المتوسطة، أي «الطبقة التي نجد فيها جماهير الشعب، والذكاء المتطور.»([6]) وعلى حد قول هيغل؛ فإن ما يجعل هذه الطبقة مانعةً عن الدخول في حالة الطغيان، أو الانعزال، هو حدّيْ السيادة والنقابة.

[1] ولتر ستيس، فلسفة الروح، المجلد الثاني من فلسفة هيغل. م. م. س. ص 119.

[2] هيغل، أصول فلسفة الحق. م. م. س. ص 558.

[3] المصدر نفسه، ص 561.

[4] المصدر نفسه، ص 561.

[5] المصدر نفسه، ص 561.

[6] المصدر نفسه، ص 563.

رابط المقال: