دعنا نتذكر سويا أنا وأنت أحداث الفيلم الكوري الرائع الحاصل على جائرة الأوسكار Parasite " طفيلي"، من اخراج بونج هو Bong Joon Ho وبطولة العبقري سونغ كانغ هو Kang-Ho Song، والذي تدور أحداثه حول علاقة جشع كارثية بين عائلة بارك الغنية وعائلة كيم الفقيرة، بحيث أن العائلة الفقيرة ترسم خطة محكمة لكل فرد من أفرادها لتمكن كل واحد منهم من تأمين وظيفة عند الأسرة الغنية، لكن تتسارع الأحداث بطريقة غير محسوبة وتتورط العائلتين في جريمة قتل وأحداث أخرى مريبة.
الشائق في الأمر أن الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك سيعلق بعد مدة من صدور الفيلم بطريقة جد ملفتة، ستغير نظرتنا عن الفقر والفقراء، ففي تقيمه يعود نجاح الفيلم إلى عبقرية المخرج في إزالة الغموض عن الفقراء الذين يعيشون في القبو، وكشف حقيقة علاقة الطيبة بالمستوى الاجتماعي، فالطيبون وأصحاب القلوب الرحيمة ليسوا هم الفقراء، بل الأغنياء في الحقيقة، لأنه إذا كنت غني بما يكفي، فبإمكانك أن تكون لطيفا وطيبا باختيارك وبإرادتك الحرةـ أما عندما تكون فقيرا فلن يكون أمامك هذه الرفاهية في الإختيار أن تكون لطيفا أم لا، سيتعين عليك أن تكون لطيفا بذُل حتى لو لم تكن تريد ذلك.
الفقراء في غالبيتهم قساة وبخلاء وليسوا بالأخلاقيات التي يبدون عليها، إنما هم يبدون ذلك ليتمكنوا من القاء على قيد الحياة، لأنهم يعلمون أنهم سيخسرون أكثر إذا وضعوا أمام مواجهة حقيقة للإرادة الحرة، لذلك يقول جيجك أن أسوء أنواع المساندة هي تجسيدهم بصورة الطيبين، والحل ليس في تصويرهم بهذا الشكل المثالي والأخلاقيات الفنتازية، وتعزيز المهانة والذل في نفوسهم، لأن ذلك سيشجعهم على الفقر أكثر ويساعدهم على تقبل عبوديتهم فترة أطول، لذلك الحل هو أن نغير الظروف التي جعلتهم هكذا، لا أن ندفعهم لتقبلها.
في الحقيقة لقد سبق وأن طرح نيتشه نفس الفكرة في كتبه، في باب علاقة العبد بالسيد، إذ يرى بأن العبيد شر مطلق يتخفى في أخلاق واهية، وقد قسم الأخلاق إلى قسمين أخلاق الضعف وهي أخلاق العبيد وغير الأحرار، وأخلاق القوة وهي أخلاق السادة والأحرار، أما الأولى فهي لا ترتقي لأن تكون نموذجا يحدى به، لأنها مجرد تُقى لا أكثر، فلو اتيحت فرصة للعبيد ليتحكموا لأفسدوا في الأرض وأكلوا الأخضر واليابس، أما أخلاق السادة فهي أخلاق حقيقية لأنهم يقومون بها بإختيارهم.
أتذكر في هذا المقام مقولة شعبية جزائرية قديمة تقول" متخافش من الشبعان إذا جاع، خاف من الجيعان إذا شبع" ومعناها لا تخاف من الغني إذا افتقر لأن أخلاقه الجيدة لن تتغير بفقره، لكن اخشى الفقير الذي اغتنى لأنه سيبقى بأخلاق الجوع حتى وهو في حالة غنى.
ما رأيك في تحليل جيجك للفيلم؟ هل تعتقد أن هناك علاقة بين الشر والفقر بالفعل؟
التعليقات