يقول الراحل د. أحمد خالد توفيق في مقالة نُشرت في العام 2012 في جريدة الأهرام بعنوان «رمضان جانا»: لرمضان صوت، ورائحة. يصف الراحل رمضان بالنسبة للمصريين، وفي مصر كيف يكون. لكن ماذا عن رمضان هذا العام؟
بالنسبة إليّ بدا الشهر كئيبًا نوعًا ما، فلا زال فقدان الراحل د. أحمد خالد توفيق يعتصرني حزنًا. الدعاء له يذكرني بأنه توفي بالفعل، في حين أنني مازلت لا أستطيع تصديق ذلك، لا زلت في حالة الإنكار، أتعايش مع الأخبار والصور، خاصة صور قبره التي تنتشر هنا وهناك، لكن داخلي يرفض كل ذلك. عندما أستشعر لحظة تصديق، أدرك أنني لن ألتقهِ أبدا على الأرض، يذكرني أنه الآن في عالم لا أعلمه ولا نعمله جميعنا، كل ما أملكه هو الدعاء والبكاء.
أذهب من وفاة د. أحمد خالد، إلى عالم أشد بؤسًا. عالمنا الذي خَفُت تدريجيًا حتى كاد ينعدم. الذي أشعر به، هو أنه لم يعد هناك فرحة رمضانية مثلما كنت أعهدها سابقًا، سواء كنت في مصر أو في بلدٍ آخر بحكم أنني كنت أسافر كثيرًا.
قبل رمضان بيومٍ واحد، نزلت تمشّيت في شوارع مدينتنا، الطرقات مزدحمة، الجو حار للغاية، زينة الشوارع لم تزيّن منازل حيّنا، ولا أي أحياء أخرى، فوانيس رمضان ملأت الأرصفة والشوارع لكن لا أحد يشتري، وإن كان هناك بضعة أشخاص، لا أدري لما أشعر في وجوههم أنهم يحاولون قدر الإمكان "الشعور بقدوم رمضان من خلال شراء الفوانيس!"
كانت ليلة اليوم الأول مميزة. تبادل الجميع التبريكات بقدوم الشهر.. الأسرة، الأصدقاء، الزملاء في العمل، ثم ماذا؟ لا شيء، هل أشعر بتحسن؟ لا، كل شيء بارد وخافت.. أكملت عملي وسط عائلتي كالمعتاد. نقيم الصلاة ونتلو الآيات ونردد الأدعية والأمنيات، ولسان حالي يقول، أين أمنيات كل عام، وأين ستذهب أمنيات هذا العام؟
يقولون أن التفكير الزائد مؤذٍ للغاية، وهو بالفعل كذلك. فإذا عرّجت على رمضانات سابقة، أكاد أموت كمدًا من فراقها والحنين إليها. كان العالم يسير بوتيرة بطيئة، جميع التفاصيل تأخذ نصيبها من الجمال والتلذذ بوجودها. حبة التمر التي تؤكل في السحور أو على الإفطار على سبيل المثال، كان لها طعمٌ خاص. طعم يذكرك بأنك في حدثٍ هام، حبة التمر هذه ليست مجرد غذاء بعد يوم طويل من الجوع والعطش، بل تحمل معها قصص كثيرة كونها "سنة الإفطار" التي امتدت لأكثر من 1430 عامًا.
ماذا جرى في اليوم الأول؟
كان الحدث الأبرز "إعلان زين" الذي أثار الجدل، والذي أرفضه تمامًا لما يحمل من رسائل ذل وهوان واستفزاز للمواطن العربي (هذا رأيي الذي كنت أود أن يكون غير ذلك لو كان الإعلان لائقًا ومعبرًا عن حزننا). ثم أتى إعلان "عمرو خالد" عن "دجاج الوطنية المدخلة الجنة". يا للضحك والحسرة معًا! حين سمعت وشاهدت هذا الفيديو. أين عقلك حين وزّع الله عقولًا يا سيد عمرو! لماذا تغيّر الجميع ولم يعودوا كما عهدناهم؟ لما نظل صامدين على حالنا المعتدل كالجبال على الرغم من أنهم تغيّروا؟ هذا يعطيني جوابًا أننا كنا لعبة في أيديهم حين كنّا شبابًا صغار السن/بلهاء!
أشياء كفيلة بأن تعطيني جرعة كئيبة مركّزة، فبدل أن كان رمضان شهر للعبادة والألفة، والبرامج القيّمة، تحول إلى مناسبة يصب فيها هؤلاء الجالسون خلف الشاشات سذاجتهم في أدمغة المُشاهد، وكأنه خِرقة مهترئة، أو كائن غير عاقل.
هل يشعر أحد بذلك الركود في العواطف الرمضانية؟ وما سبيلنا لاستغلال الشهر خارج كل هذا الشعور بالانطفاء؟
التعليقات