وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١١١
الآية الكريمة التي نحن في رحابها تصف المدى الذي وصل إليه غرور القوم وتيههم ببعض مظاهر الإيمان ...... رغم فساد عقيدتهم وفسوقهم عن الدين الحق , دين الإسلام ,
وقد زين لهم الشيطان أعمالهم وغرهم بالله تعالى أيّما غرور ... وكأن مفاتيح الجنة بأيديهم ! إذ قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا اليهود !!!
وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا النصارى !!!
ومحصلة هذا القول الخاطئ والعقيدة الفاسدة , أن اليهود كفّروا كل من في الأرض بغير علم ودليل , وكذلك فعلت النصارى !
تكفير جماعي عشوائي يوازي ما في قلوبهم من حقد وضغينة على كل من ليس منهم نسباً وصهراً !! .... ...... إن صب التكفير بهذا الشكل على رؤوس الناس ليس علامة على التوحيد وخلاص الإيمان , .. لكنه البغي والعدوان على عباد الله تبارك وتعالى ...... وكأنهم حشرات أو جرذان !!!
وكل قول أو عقيدة أو تصور ليس عليه دليل من كتاب الله تبارك وتعالى فهو باطل أصلا وفصلاً ,........ ولا يستحق حتى مجرد النظر إليه ,
والقرآن الكريم يشن الحملات --- والغارة تلو الغارة على عقائد التخصيص والاصطفاء للقوم أو القبيلة أو الجماعة أو افرداً معينين , عندما يكون بمحض الهوى والأماني الكاذبة .
ولكن لماذا ساقت الآية الكريمة قولهم ومعتقدهم الفاسد وكأنهم أمة واحدة ؟
رغم أنّ كلٌ منهم يُكّفرُ الآخر؟
أولا : لم يكن يحسن من الآية الكريمة أن تعيد القول وتكرره, كأن تقول وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا اليهود , ثم تثني القول نفسه من النصارى : وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا النصارى , ولكن أسلوب القرآن الكريم المعجز الباهر : الإيجاز مع التمام -- والكمال في اللفظ – والمعنى --- والبيان -- وعمق التصوير --- وتعدد الإشارات ,
لقد صوّرت الآية الكريمة قولهم ومعتقدهم الفاسد --- والبعد النفسي -- والفساد التصوري في كلمات معدودة --- بترتيب معين تؤدي -- تمام المعنى والبيان , -- وعمق الإشارة , وأبعاد الانفعال النفسي بهذا المعتقد الفاسد .
ثانياً : سياق الآية الكريمة لقولهم هذا ومعتقدهم الفاسد , يوحي بالإعراض -- والتغافل وعدم الاكتراث , --- لأنه قول تافه أصلاً -- وحكم هوائي , --- لا قيمة له ولا أثر , فالآية الكريمة تنبذه نبذاً , -- وتبثه بثاً خفيفاً , --- وتلقيه على قارعة الطريق لتدوسه الأقدام , --- ليكون في ذلك عبرةً ومثلاً لكل من يزّكي نفسه , -- ويظن أن بينه وبين الله تبارك وتعالى نسباً وصهراً!! -- أو أن له مكانة ً وقدراً عند مليك مقتدر !! وبناءً عليه يظن أن الله تبارك وتعالى قد منحه "نسخة" من مفاتيح الجنة --- ليدخل فيها أنسابه وأحسابه !! ثم يأتي تعقيب الآية الكريمة مخزياً ومفجعاً لهؤلاء المفترين على الله تبارك وتعالى , وعلى الناس بالتكفير الجماعي العشوائي , --- تلك أمانيهم " ---- وانظر لإعجاز الآية الكريمة عندما تشير لهذه الأماني الكاذبة الخاطئة ب " تلك " --- التي تعني الإشارة للبعيد , وكأن الآية الكريمة تشير إلى واد سحيق .... بعيد -- وغائر -- ومغمور في الضباب والتراب -- الذي تذروه الرياح ,--- وتقول لنا في أسلوب التذكير والاعتبار , أن أمانيهم ملقاة في هذا الوادي السحيق !!!
ثم تكر عليهم الآية الكريمة ـــ كما هو أسلوب القرآن الكريم المعجز ــــ, لا يترك قولا خاطئاً ً--- ولا معتقداً فاسداً --- إلا ويَكرُ عليه تفنيداً وتفصيلاً لفساده , .... وبأسلوب تربوي وإرشادي للمؤمنين بهذا المنهج العظيم , -- وتلقينٌ للحُجَج والبراهين في مواجهة الخصوم --- ولذلك كثيراً ما يأتي القرآن الكريم -- بحُججه وردوده على الخصوم على السنة المؤمنين بهذا المنهج العظيم , -- فتجد القرآن الكريم يستدعي المؤمنين -- ويحضرهم في كثير من المناظرات والحوارات مع الخصوم , -- ويلقنهم الحجج والبراهين الدامغة ليصفعوا بها خصوم الإيمان والمنهج القويم , وفى هذا من التشريف والتكريم ما تضيق عنه العبارة , ولا تحيط به الإشارة .
ومن ناحية أخرى هو تكليف والزام للمؤمنين بهذا المنهج القويم , بأن يتحملوا ضريبة الإيمان ويؤدوا شكر نعمة الهداية لهذا المنهج القويم والصراط المستقيم , ويقوموا بالدفع عن حياض الإيمان الحق , والذود عن المنهج القويم ضد كل شبهةٍ وكل افتراء يصد الناس عن سبيل الله تبارك وتعالى,
لهذه الأسباب ـ وغيرها مما لا نعلمه ـ , يستدعي القرآن الكريم أهله وحمَلَتَه إلى هذه المناظرة , ليقول على ألسنتهم لهؤلاء المفترين : هاتوا برهانكم من كتاب الله تبارك وتعالى أو أثارةٍ من علم إن كنتم صادقين .
بَلَىٰۚ مَنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَلَهُۥٓ أَجۡرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١١٢
ثم بعدما تم تفنيد القول الخاطئ والعقيدة الفاسدة , لا تترك الآيات الكريمة ساحة المناظرة حتى تقذف بالحق على الباطل فتزهقه , وتضع الأمور في نصابها , وترجع الحق إلى أهله من أيدي الغاصبين , وتعلن في نبرة عالية , وصوت جهير يشق أوهام الكاذبين , إعلاناً عالمياً أُمميّاً لكل الناس بلا استثناء , أن الوعد الحسن ,والجزاء الأوفى لمن أسلم وجهه لله تبارك وتعالى -- واستسلم للمنهج الحق القويم ,
استسلاماً تاماً ليس فيه اختياراً في -- الطاعة -- أو عدمها ,
أو حرج في الصدر ---,
يقوم بتطبيق المنهج قدر استطاعته وفي حدود إمكاناته ---,
ويحمل أمانة التكليف بصبر واحتساب ---,
وبعد كل ذلك لا يغتر بعمله , ولا يمّنّ على الله تبارك وتعالى بتقواه ,
بل لا تفارقه الخشية والخوف من لقاء ربه ومولاه , ,
ولا يتيه على عباد الله تبارك وتعالى فخراً وسروراً بعمله أو زينته ,
بل يلزم التواضع -- وحسن الخلق -- وهضم الجناح ,
فهذا هو المصون حقه --- , الوافي أجره --- ,
فلا يخافون حين يخاف الناس في الدنيا والآخرة --
ولا يحزنون عندما يحزن الناس في الدنيا والآخرة ,,,,
ثواب عظيم ,--
وفضل كبير من رب غفور رحيم ,---
لهم منه نصيب في الحياة الدنيا ---كمقدمة وتمهيد ,
وبشرى وتسلية ---,
ثم يوفى لهم كاملاً يوم القيامة غير منقوص ولا مجذوذ ,---
نسأل الله تبارك وتعالى من فضله العظيم