الحياء من الله حق الحياء

الحياء خلق عظيم، وهو من أبرز صفات المؤمنين، فقد جعل النبي ﷺ الحياء جزءًا من الإيمان حين قال: "الحياء شعبة من الإيمان" (متفق عليه). ومن أعظم صور الحياء وأرقاها: الحياء من الله، وهو الذي يدفع المؤمن إلى اجتناب المعاصي ومراقبة الله في كل حال. وقد جاء في حديث النبي ﷺ قوله:

"استحيوا من الله حق الحياء... ومن استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى." (رواه الترمذي).

في هذا الحديث يضع النبي ﷺ قاعدة واضحة لمعنى الحياء الحقيقي من الله، ويبين علامات ذلك، حتى يكون الحياء سلوكًا عمليًا وليس مجرد شعور عابر.

شرح الحديث

1. استحيوا من الله حق الحياء

الحياء من الله ليس مجرد خجل أو تأثر لحظي، بل هو التزام عملي يظهر في أفعال الإنسان وأقواله.

الحياء الحقيقي يعني أن تشعر برقابة الله عليك في السر والعلن، فتجتنب الحرام، وتؤدي الطاعات، وتحرص على مرضاة الله.

2. "فليحفظ الرأس وما وعى"

الرأس هو مركز الفكر والحواس، ويشمل العقل، والسمع، والبصر، واللسان.

حفظ الرأس وما وعى يعني:

حفظ العقل من الأفكار السيئة، والتأمل فيما ينفع، وتجنب الوساوس والشكوك التي تفسد الإيمان.

حفظ السمع من الاستماع إلى الحرام، كالنميمة، والغيبة، والأغاني الهابطة، وكل ما يبعد عن الله.

حفظ البصر من النظر إلى المحرمات، فقد قال الله تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" (النور: 30).

حفظ اللسان من الكذب، والغيبة، والنميمة، والكلام الفاحش، لقوله ﷺ: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟" (رواه الترمذي).

3. "وليحفظ البطن وما حوى"

البطن رمز للشهوات المادية، سواء في الطعام أو الشهوات الأخرى.

حفظ البطن يعني:

أكل الحلال والابتعاد عن الحرام، فالمؤمن يحرص على كسب رزقه بطرق مشروعة.

عدم الإسراف في الطعام والشراب، فالإسلام يدعو إلى الاعتدال: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا" (الأعراف: 31).

تجنب كل ما يؤدي إلى إثارة الشهوات المحرمة، سواء من المأكل أو المشرب أو غيره.

4. الحياء من الخوف من غير الله

الحياء الحقيقي من الله يشمل أن لا يخاف الإنسان أحدًا أكثر من خوفه من الله، فلا يمنعه خوفه من الناس من قول الحق، ولا يدفعه إلى مجاملتهم في المعصية أو التخلي عن أوامر الله.

قال الله تعالى: "فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ" (المائدة: 44)، أي أن المؤمن لا يجعل خوفه من الناس مقدمًا على خوفه من الله.

من يخشى الناس أكثر من الله قد يقع في الرياء، أو يتجنب قول الحق، أو يضعف عن أداء العبادات، وهذا مما يُذهب الحياء من الله.

الحياء طريق النجاة

الحياء من الله يجعل الإنسان في حالة دائمة من المراقبة الذاتية، فلا يحتاج إلى رقابة البشر. وهو خلق يمنح صاحبه وقاية من الوقوع في المحرمات، ويدفعه إلى فعل الخيرات، وهو طريق لحب الله ورضاه.

وقد قال ﷺ: "إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" (رواه البخاري)، أي أن غياب الحياء يفتح أبواب الشر، ويجعل الإنسان يرتكب المعاصي بلا خجل أو وازع ديني.

كيف نحقق الحياء من الله؟

1.   الإكثار من ذكر الله، فذكر الله يجعل القلب حيًّا حاضرًا.

2.   مراقبة الله في السر والعلن، وتذكر أنه مطّلع على كل شيء.

3.   تجنب المحرمات ولو لم يرك أحد، لأن الله يراك دائمًا.

4.   قراءة القرآن والتأمل في آياته، فهو يزرع الحياء في النفس.

5.   الصحبة الصالحة، فالرفقة الصالحة تعين على الالتزام والحياء.

الخاتمة

الحياء من الله حق الحياء هو التزام عملي يشمل الفكر، والسمع، والبصر، واللسان، والبطن، وكل الجوارح. ومن كان حياؤه حيًّا في قلبه، استقام سلوكه، وحفظ نفسه من الذنوب، وسار في طريق رضا الله.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يستحيون منه حق الحياء، ويعيننا على طاعته في السر والعلن.