لا تيأسوا من روح الله

تأملات في قوله تعالى: {إِنَّهُۥ لَا یَیۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ}

[سورة يوسف: 87]

في لحظةٍ حالكة من الظلام، حين يُخيَّل إلى الإنسان أن الأبواب كلها أُغلقت، تأتي هذه الآية لتفتح بابًا لا يُغلق أبدًا… باب الأمل بالله.

قال يعقوب عليه السلام لأبنائه:

{يَٰبَنِيَّ ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَیۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَیۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ}

فبعد سنوات من الحزن والبكاء، ومرارة الفقد، لم يُغلق يعقوب باب الأمل، بل نهى أبناءه عن اليأس، وعلّل ذلك بأن من ييأس من رحمة الله إنما فقد الإيمان به.

ما معنى "روح الله"؟

في التفسير، قيل: "روح الله" تعني رحمته، وفرَجه، ونفحاته، وتنفيسه بعد الشدة.

فاليأس من روح الله يعني الانقطاع عن الثقة بلطفه، والنظر إلى الشدائد وكأنها النهاية.

لماذا يُعتبر اليأس كُفرًا؟

لأن اليأس يعني:

  1. إنكار سعة رحمة الله،
  2. الظن بأن الله لا يُغيّر الأحوال،
  3. أو أن الله لا يسمع ولا يجيب.

وهذا كله يناقض جوهر التوحيد. فالله هو القادر، السميع، الرحيم، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

أمثلة من الواقع والقرآن:

  • يوسف عليه السلام خرج من غيابة الجب إلى كرسي الوزارة.
  • أيوب عليه السلام شُفي بعد سنين المرض.
  • مريم عليها السلام جاءها الفرج في لحظة ضعف وانكسار.

وفي حياتنا أيضًا، نرى من يشتد عليهم البلاء حتى نظن أنهم هلكوا، فإذا بالفرج يأتي من حيث لا يُحتسب، لأن الله لا يُعجزه شيء.

متى يصيبنا اليأس؟

يصيبنا اليأس حين ننظر إلى المشكلة ولا ننظر إلى قدرة الله.

  1. حين نقيس الأمور بمقاييسنا البشرية، لا بإمكانات ربنا.
  2. وحين نربط الأمل بالناس والوسائل، لا بالخالق جلّ في علاه.

كيف نحيا بهذه الآية؟

1. نُذَكّر أنفسنا بها كلما ضاقت علينا الدنيا.

2. نُربّي أبناءنا على الرجاء، لا على الخوف وحده.

3. نحملها للناس الذين يمرون بظروف قاسية؛ فهي بلسم للقلوب الجريحة.

4. نُجدد الثقة بالله، ونُحسن الظن به مهما طال البلاء.

ختامًا:

{لَا تَیۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ}

ليست مجرد دعوة، بل عقيدة، وثبات، ويقين… هي وصية نبي، وكلمة حياة.

فالذي يرزق من اللاشيء، ويُحيي العظام وهي رميم، ويقول للشيء كن فيكون… لا يجوز أن نيأس من فضله أبدًا.

اللهم اجعلنا من الراسخين في الرجاء، الموقنين بفرجك، المنتظرين رحمتك، ولا تجعلنا ممن ييأسون من روحك.

______