لحق مسلّح بأعزل ليطرحه ويقتله، حاول ذلك الأعزل الفكاك بروحه، وصار يركض بكل ما أوتي من طاقة، حتى نفدت طاقته وخارت قواه وبلغ منه التعب كل مبلغ، فألقى نفسه على الأرض مسلّمًا نفسه لذلك المسلّح ليفعل به ما يشاء، مع توسلات خافته جرّاء التعب الذي سلب قواه.
هكذا نحن والقدر مهما ركضنًا فالقدر مدركنا، لكننا نفعل السبب الذي نأمل أن ننجوا به، مع يقيننا بأن ذلك السبب ليس ضمانًا لنجاتنا، لكنه بكل حال خير من الاستسلام المباشر.
ثم إذا استنفدنا طاقتنا في فعل السبب سلمنا أمرنا إلى الله تعالى مطمئنين ليفعل بنا ما يشاء، وما ظنك بربّ أطعته، ثم ابتلاك فصبرت وتعاطيت السبب المشروع الذي تطمع به النجاة من ذلك البلاء، وأنت في كنف ربّ رحيم هو أرحم بعبده من الوالدة بولدها.
إن ظاهر النار قد يكون جنة باردة، كما جاء في شأن ابتلاء الدجال
وقد يكون الله تعالى علم لك منزلة في الجنة لا تبلغها بعملك، فابتلاك ليرفعك لتلك المنزلة.
وقد يكون رأى منك تقصيرًا في طلب الآخرة، فأذاقك مسّ البلوى لتنصرف لطلب الآخرة بالإلحاح في الدعاء، والزهد فيما بين يديك من الفانية، والعاقبة للتقوى