مر يومان وأمي تتكلم حول ذات الموضوع لساعات طوال كل يوم بصوت مرتفع على الهاتف المحمول، أحيانًا أتمنى لو لم يخترع جراهام بل هاتفه، أحاول النوم لإنعدام رغبتي في القراءة فأستمع لأصوات رنات الهاتف المحمول تدب في كل ركن من أركان المنزل، فأستيقظ بصداع خارق للطبيعة قادر على قتلي لأكتب هذا الموضوع.

لا أدري كيف للمرأة مثل تلك القدرة على الكلام بشكل مستمر لساعات متواصلة، أغلب محادثاتي مع أصدقائي على الهاتف تنتهي في حرفيًا ١٠ ثواني، "نازل؟" "نعم سلام" أو "لا شكرًا"، هذه الرابطة العجيبة بين المرأة والكلام تكاد تقنعني أن اللغة مرادفة للمرأة والمرأة مرادفة للغة.

جاء على بالي البارحة بعد مشاهدة حلقة الاسبتالية الجديدة عن الإنجاب العذري الفكرة القديمة القائلة بأن الأم الكبرى أنجبت بدون ذكر، وأن أفكار الإنسان كلها حول الطبيعة والإلهيات وكل ما أعتقده يومًا ما هي إلا إنعكاسات لتاريخه التطوري ولبيولوجي...تبًا ها هو الهاتف يرن مجددًا "تن تن تن تن تا تاتتنتن"، هذه النغمة البائسة، أستغرب حقًا قدرة الإنسان على تقليد أصوات الآلات الموسيقية، فكرت يومًا لحل مشكلة البعض مع تحريم الموسيقي أن نجعل بعض ذوي الحناجر الذهبية يقلدون معزوفات بيتهوفن وأعتقد أن بإمكانهم على الأقل محاكاة ٨٠٪ من الأصوات.

بذكر الأصوات، خطر على بالي اللغة والأصوات التي تطلقها الحيوانات ونظرية ما قرأتها يومًا حول أن كل صوتين في العربية معا لهما معنًا معين، في محاولة للرد على من يقول أن الكلمات أُخترعت إعتباطيًا، وأن كل كلمة تحتوي على هذين الصوتين مثل الصوتين "دب" تعطي معنًا متفرعًا من المعنى الأصلي لهذين الصوتين، فدب منها دابة ودبابة ودرب ود.....لا أتذكر أي كلمة أخرى على هذا المنوال، ولكن كلهم يعطون معنى الدب على الأرض أو يرتبطون به إرتباطًا وثيقًا، وذهب إلى أبعد من هذا بتقريره أن لفظ "ب" نفسه مرتبط بمعناه، فصوت الدب يرتبط بصوت الدال والباء، أو شيئ ما من هذا القبيل.

حاولت بنفسي تجربة هذه النظرية، فاستخدمت مثل حرف ال"ق" فمنه يمكنك تكوين كلمة وهي "قِ" بمعني احمي، مع أني أرفض الترادف في اللغة وأراه لا قيمة له صراحة ف "ق" معناها "ق" ومنها قوة ويقي ووقاية وقلب حيث أنه يقي مشاعرك وقدرة وقرار لأنه لا أحد يملك قراره الا من لديه القدرة على أن يقي نفسه، وقر أي أستقر وهكذا لفظ "ق" يعطينا معنى يشبه الطمأنينة الناتجة عن السيطرة على الموقف في أي كلمة يدخل في أولها، أو هراء ما من هذا القبيل.

ولكن تبدو لي هذه الفكرة نظريًا سخيفة لأنها مبنية على تفسيري للمعنى حسب الأهواء، وبذكر الترادف فإن أحد أهم حججي ضد من يرمون الناس بالردة هو أنه حرفيا لا يوجد اثنان لديهم نفس الفكرة عن أي شيئ حتى لو فعلوا كل شيئ ونفس الشيئ طوال حياتهم معًا، فعندما أذكر لك لفظ كلب قد يأتي على بالك كلب هاسكي أو جيرمان أو بولدوج أو بلدي، ويأتي على بالك وجهه أو ذيله أو جيمه وحجمه، وقد يكون اسود أو أحمر او فوحلقي، وقد يكون لديه علامة او لا...الخ، وعندما أذكر قطة يأتي علىىبالي بسيوني بينما أنت لا تدري أصلًا من بسيوني هذا.

فنعم أنا مع التعددية الدينية لأنه لا يوجد فردان لهما نفس الفكرة عن الإله، وما يعجبني حقا في الاسلام أنه نأى بالإله عن الأفكار البشرية بجملة واحدة "ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير"، جملة واحدة أنهت تاريخ تطور الفكر الإنساني حول الإله وماهيته، فاذا ذكرت الله لا يأتي على بالي أي شيئ سوى الله، لا شكل ولا هيئة ولا أي شيئ أصلًا، ربما هذه الفكرة التي قد نتفق عليها، العدم الفكري، ولكن اذا تركتني لأتفكر قليلا في الله سأستمر في الافكير بهذا العدم مصحوبًا بشرارة روحية وشعور بالعظمة، وتأتي وتذكر لي صفات الله وهنا تبدأ المشاكل وتظهر الخلافات، فدعونا متمسكين بالعدم الروحي، فلا حق الا في الخلاف ولا خلاف الا في العدم فلا حق الا في العدم.

لا أفهم صراحة ما وظيفة الرسم في عصرنا، فالكاميرا أخذت دوره في رسم الواقع، ومن الواضح أنه سيتجه كما أتجه الشعر في العصر الحديث لرسم وجهة نظر الشخص للواقع، أو ما يعتقد أنها وجهة نظره عن الواقع، شيئ مثل فان جوغ ولوحته الصارخة، غير ذلك لا أفهم لما يستمر الناس برسم الفنانيين وما زال يندهش الناس من دقة الرسم، ستندهشون اذا رأيتم كاميرا 8k أيضًا، لذا أنا مع تيار الأنمي والكرتون والماتجا والكوميكس الذي يرسم أولا الشخصيات بشكل مبسط غير واقعي بالمرة -عيون الانمي فظيعة- كانعكاس لثقافة المجتمع بشكل او باخر، ولا يرسم لمجرد الرسم ولكن يستخدمه كوسيلة لشيئ أكبر أو شيئ من هذا القبيل.

توفي اللواء باقي زكي يوسف المسيحي منذ يومين ولم يدري أحد، صاحب فكرة استخدام المياه للتغلب على خط بارليف، وهو ما يحفزني للتفكير حول الحساسية الناشئة عن دخول المسيحيين في مصر لمجالات الجيش والشرطة وأن مثل هذه الحالة لم تكن متواجدة قديما، واقتران هذه الحالة بعصر تولي السادات وإفراجه عن بعض من حبسهم عبدالناصر لسنوات، وعلو أصوات الإخوان والتيارات الاسلامية في الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين، وفي نفس الوقت أقرأ على ويكيبديا أن هذا اللواء تقاعد عام ١٩٨٤، بعد عشرين سنة فقط من الخدمة، وهو نفس اسم رواية ١٩٨٤، ياللمصادفة!! أهي المؤامرة؟