الزجاجة الثالثة والعشرون

إلي رغد ليليّ:

رست سفينتنا اليوم على ميناء هادئ ، محاط بجزيرة هي وجهة لكل النزلاء من مسافرين ، وبحارة ، الهواء كان يحمل رائحة البحر الممزوجة بروائح غريبة ، كإنها مزيج لشتئ الروائح ، وكأن الأرض هنا تحفظ أسرارًا أقدم من الزمن لكل نزيل ومقيم . كنا بحاجة للراحة بعد رحلة طويلة ، وبين ضجيج البحارة وقصصهم عن رحلاتهم الطويلة ، وتخطيطهم ، وقعت عيناي على شيء استثنائي. كانت ملقاة على أحد الطاولات، وكأنها فقدت صاحبها أو أن صاحبها تركها عمداً لمن يجرؤ على اكتشافها. اقتربت بحذر، وكأنني أخشى أن يُدرك أحدهم ما وجدته. التقطتها برفق، وبدأت أتمعن في تفاصيلها.

 بحّار مسن، وجهه محفور بالتجاعيد كأنه خريطة الزمن نفسه. بيديه المرتجفتين سلّمته الخريطة القديمة ، قال بصوت خافت كأنه يخشى أن يسمعه أحد: "هذه الخريطة تقود إلى كنز دفين، لكنه ليس كنزًا عاديًا. الجزيرة التي ستبحثون فيها مليئة بالألغاز التي لا يفهمها سوى من عاش عمرًا بين الأمواج".

خريطة قديمة ، حوافها مهترئة بفعل البحر والوقت ، طالعت الجزيرة من حوالي حتي استكشفت حانة صغيرة ، فدلفت إليها ، وكان مالكها

نظرتُ إلى الخريطة ، كانت مليئة بالرموز الغريبة ؛ شمس وقمر متقابلان ، خطوط متعرجة تُشبه الأمواج ، علامات تشير إلى الصخور ، وأماكن محددة بعلامات غريبة. على الهامش ، كُتبت عبارات بخط غير واضح ، كأنها كلمات سرّية لا يُدركها إلا البحارة الكبار أو القراصنة الذين عاشوا حياة مليئة بالمغامرات ولكن أحد القراصنة الذين كانوا يجلسون قريبًا لمح الخريطة ، وفي عينيه ظهرت نظرة طمع. بدأ يقترب ، لكننا أخفيتها ولحسن الحظ غادرنا المكان سريعًا. حاولت أن أبدو غير مبالٍ ، فأغلقتها سريعًا وأخفيتها بين متاعي. لم أجرؤ على إخبار أحد من طاقمي، فالكنوز التي تحملها مثل هذه الخرائط ليست فقط ذهبًا أو جواهر ، بل أسرار يقتل لأجلها القراصنة والبحارة الطامعون ، وحين عدت إلى السفينة، جلست وحدي تحت ضوء مصباح الزيت ، أحاول قراءة الرموز. لكن كلما نظرت إليها، شعرت بأنها ليست مجرد خريطة ، بل لغز يُختبر فيه من يملكه.

رغد، لو كنتِ هنا، لربما كنتِ ستكتشفين سرها بسهولة. كنتِ دائمًا الأفضل في فك الرموز وإيجاد المعاني الخفية بين التفاصيل. الآن، وأنا أكتب لكِ، أجد نفسي أتساءل: هل عليّ أن أتابع هذا اللغز، أم أن بعض الأسرار يجب أن تظل مختبئة في أعماق البحر؟

سأحتفظ بهذه الخريطة، ليس فقط كطريق محتمل إلى كنز، بل كتذكار من هذا البحر الذي لا ينفك يعلمني شيئًا جديدًا كل يوم. وربما يومًا ما ، حين نكون معًا ، سنحاول فك رموزها سوياً.

بحب لا ينتهي، سليمان

٥/١/١٩١١