عندما تتوارى الثوابت خلف جدران الضجيج ، عندما يخيمها ظلام العبث و تسدل عليها ستائر الغفلة .
عندما ترتجف أطرافها في ماء الصقيع رعبا من أمواج في بحر لجي ، يغشاه موج من فوقه موج ، ظلمات بعضها فوق بعض .
عندما تمكث مرتعدة في غياهب الجب الحزين ، تخشى أن تطل و لو برأسها قلقا من مجون الماجنين .
عندما تتلعثم الكلمات على شفاهها و هي (صدق) خاشية من بتر لسان الفضيلة .
فيتهادى صوتها رعبا و هي (حق) خوفا من بطش الباطل .
نحن بكل الأسف نعيش في عالم يخاف فيه صوت الحق من صوت الباطل ، لأن الباطل أصبح الآن بكل الأسف ذو قوة غاشمة ساحقة ماحقة لا تبقي و لا تذر .
نعيش في هذا الزخم من التهلهل الفكري و الأخلاقي في غياب أو -بمعنى أصح- تغييب لمصطلحات يعدونها اليوم ( Old fashion) (موضة قديمة ) .
هي مصطلحات :- (الثوابت) و (المعايير) و (المبادئ )و (القيم )و( الضمير الإنساني) و (الحق) و( الباطل) و( الجائز )و (اللاجائز) و (العيب) و( الحرام) و( الحلال ) و( السفور) و (الحياء) و( المعقول) و( اللامعقول )و( المنطقي) و( اللامنطقي).
حالة تخبط في الأفكار و المشاعر و القناعات
أيضا حالة يرثى لها الضمير الإنساني و يستاء منها كوكب الأرض الذي يحملنا على سطحه و ضج بنا و منا .
طول الوقت نتأمل هذا الصخب و نراقب ما يحدث حولنا و الآية القرآنية ترن في ذلك الذهن الشارد المندهش دائما :-
(و تركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعض ).
فلنتأمل معا مثلاً على سبيل المثال لا الحصر ، “بزوغ ليلة رأس السنة الميلادية ” و العالم بأثره شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا ، ينفقون الأموال الطائلة – كل حسب إمكانياته – في الاستعداد المثير و البراق عالميا لاستقبال تلك الليلة الليلاء
في تنافس واضح على مستوى الدول و الأفراد .
فألعاب نارية و ضوئية و زينات و حفلات و ملابس تستعد لها مصانع بأثرها و مطاعم و ملاهي تلهي الجميع ، سفر و فنادق و منتجعات و … و … و …..
إنفاق ضخم و ميزانية عتيدة .
الدول و الأفراد فقيرهم و غنيهم
يخرجون من أموالهم بكل الرضا و القناعة و السعادة و الابتهاج .
الكل معه الآن و الكل قادر في هذه الليلة !!
تعالوا نقول لهؤلاء ، هناك مساكين على هذا الكوكب الحزين ، ينظرون بغصة و حسره و حيره و دهشه عليكم .
حين تصرخون أنتم فرحاً برأس السنة ، يصرخون هم جوعاً .
عندما تتراقصون أنتم على أنغام موسيقى الليلة السافرة و منكم من يتزين بالعري و السفور ، يرتعشون هم و صغارهم من ضراوة البرد حيث لا يجدون ما يكفي لتغطية تلك الأجساد الضعيفة النحيلة الهزيلة الجائعه ..
أطفالهم يجوبون الشوارع تسولاً لفتاتكم و بقايا موائدكمو حفلاتكم و ربما موبقاتكم .
وقت أن بعضكم يقضون ليلتهم تلك على أسرة الفنادق الفارهة و الأغطية الناعمة الدافئة ، هم تكون أسرتهم الرصيف و ألحفتهم الفضاء .
تعالى ناشد هؤلاء باستبدال هذا الإنفاق بجمع الأموال تلك للفقراء و المحتاجين ، في تلك اللحظه ستتذكر فورا الآية الكريمة :-
( و أحضرت الأنفس الشح ).
أي يغلب على الأنفس البشرية في تلك اللحظة البخل و الشح و الكل سيدعي عدم المقدرة و الفقر و العوز .
ليس المطلوب يا سادة هو “الكآبة” .
و لن يتفوه عاقل بالدعوة إلى الاكتئاب .
و إنما كله بالمعقول .
كله بميزان الضمير يكون أجمل و أبهج و أفيد أيضا .
و ليكن احتفالك بصحوة ضميرك أقوى من احتفالك بليلة ستمضي هباء إن لم تجني فيها من الخير ما يبقى .
و ليكن منهاجك في رأس هذا العام الجديد لا يثنيك عن إدراكك أنه عام قادم بإذن الله من عمرك ستحاسب عليه .
فالليلة ياعزيزي ربما تحتفل و أنت على سطح الأرض ، يا عالم ربما ستكون العام القادم في باطنها. حين لا احتفال إلا بالمتقين الصالحين المصلحين .
و لا مكان و لا مكانة للمفسدين في الأرض و هم يظنون أنهم مصلحون .
“و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون “.
المبادئ لا تتجزأ و الضمائر لا تموت و إنما تُغيب
و المشاعر لا يمكن السيطرة عليها إجباراً بالقوانين.
فمن لم يحركه ضميره و إنسانيته ، لن يحركه أي قانون و لا أي عقوبة و لا أي ملامة أو توبيخ
و لنتيقن جميعاً و دائماً و أبداً من تحقق قول الله تعالى :-
( فأما الزبد فيذهب جفاءً و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ).
*و الحق دائماً ياساده فارساً مكتوباً له النصر*
الحق هامة و قامة
رفيع القدر و المقام
عالياً ، ظاهراً ، أبلجاً
تماماً كالنخلة العالية ذات الطلع النضيد ذات الجلال و البهاء .
((( و النخل باسقات لها طلع نضيد ))) صدق الله العظيم..
بقلم #د_ياسمينا_شاهين
طبيب أمراض النساء و التوليد بكلية طب قصر العيني -جامعة القاهرة ..
مقال ب#إصدار_جريدة_الجمهورية_الورقية
#صفحة_المتابعات
#باب_فاضي_الجمعة_شوية
-------------------------------
بالطبع يشرفني آراء و مناقشات حضراتكم ..🌹
التعليقات