تخيل للحظة أن تتم مساواتك بالقاتل والسارق والزاني .. تخيل أن تعلم بأنه مهما فعلت من خير في حياتك فلن ينظر له ولو بطرف عين ولا ثواب لك عليه .. فقط تخيل أن تعيش حياتك محكوماً عليك بسوء الخاتمة فلا فرق إن كنت قاتلاً مأجوراً أم طبيباً منقذاً للأرواح، ما الفرق في هذا؟ فأنت كافر .. ولدت كافراً، عشت كافراً وتموت كافراً .. ساعدت شيخاً بحاجة للمساعدة؟ أطعمت فقيراً في السر إحساساً به؟ رأفت؟ رحمت؟ سامحت؟ أنقذت روحاً من الموت؟ ومن يهتم؟ فلا جنة لك بأي حال ..

هذا هو فكر العديد من الشيوخ والدعاة وأصحاب الرأي والفتوى في يومنا هذا، أن الجنة حكر على دين واحد دون غيره، أن الجنة خصصت لفئة واحدة من البشر بينما الباقون يتعفنون في الجحيم، وقد تسرب هذا الفكر للناس، فصدقوه واقتنعوا به، فأصبح بذرة للفتنة بين الناس تلقي بثمارها كل يوم .. أنت مسيحي، أنت كافر، أنت في النار، أنت مكروه .. فتجد الجيران والأصدقاء وأبناء المجتمع الواحد والنبي الواحد يقيمون الحدود والسدود بين بعضهم البعض كرهاً ونكراناً بسبب بعض الأدمغة التالفة التي تصدق بأن الجنة كتبت لفئة واحدة دون سواها .. بل وقد وصلت بهم الجرأة لأن يعلنوا بأن عملك الصالح لن يفيدك في الآخرة ما لم تكن مسلما، فأنت في النار مهما فعلت .. فأين يفيدني عملي إذا؟

من أنت لتتحدث؟ وبأي حق تتحدث؟ أي عقد كتب لك تمليكاً للجنة لكي تحكم فيها وتقضي بأن شخصاً مصيره النار؟ أين أنت من رسول الله حين قال: "حرمت النار على كل هين لين قريب سهل" ؟ أين أنت من أقوام يدخلون الجنة أفئدتهم كأفئدة الطير؟ أيأتِ أصحاب الخير والقلوب الرحيمة أمام صاحب العدل المطلق فيقال لبعضهم أنتم في الجنة ويقال لبعض لم تسلموا فأنتم في النار مع شياطين الإنس سواء بسواء لم يغني عنهم عملهم وخيرهم شيئا؟ فلمَ يقومون به إذاً إن كان هباءاً لا يمنع عنهم عذاباً محتوماُ؟ وإن كانت الجنة بالدين دون العمل فهل يدخلها من سمّى نفسه مسلماً ثم عاث في الأرض فساداً؟ هل يأتي الشهداء الذين ماتوا في ساعة واحدة في مكان واحد دفاعاً عن وطنهم وجهاداً في سبيل الله فيقسّموا إلى فرقتين ، مسلمون وكفرة مصيرهم العذاب الأبدي بينما ينعم بالجنة من كان يحارب معهم جنباً إلى جنب وكتفاً في كتف بسبب فرق الأديان؟

أخبرني أن الله لا يغفر أن يشرك به .. ثم ذكرني كم من نفس تذهب إلى خالقها يوم القيامة لتجد ميزان سيئاتها يغلب وزن الأرض بما عليها ، ثم يفاجئهم الله بكرمه فيعفو عنهم بحسنة عن طيب نفس ، أو لحظة ندم من القلب على معصية ، أو صدقة أخرجوها دون انتظار مقابل .. كانت ذنوبهم كبيرة ، فكانت رحمته أكبر .. ثم تأتي يا من تغمره الذنوب لتحكم على آخرة الآخرين وتختم على رؤوسهم بختم الكفر وتحرّم عليهم الجنة التي لا تملك منها ذرة غبار إلا بأمره ..

انظر لنفسك يابن آدم ولا تحكم في مصائر الخلق قبل أن تضمن مصيرك.