للمرأة زي شرعي في الإسلام، والاحتشام محبب في جميع الأديان السماوية، قد أمر به لحفظها وسترها ، وهو فرض وواجب عليها أن تلتزم بذلك الزي تطبيقاً لما فُرض عليها ، وقد أخطأت إن لم تفعل.

الآن وقد وضحنا هذا فلنتحدث بجدية ..

كيف يمكن لشخص في كامل قواه العقلية أن يلوم ضحية على ما وقع بها من جرم ناتج عن اختلال في عقلية أحدهم واضطراب في سلوكه؟ يؤمن العديد من الناس هذه الأيام -ولدهشتي فهم غالبية- أن ملابس المرأة ومظهرها يجعلانها مذنبة بشكل أو بآخر ، وتختلف نسبة الذنب بين من يلقون أصابع الاتهام إليها ، فمنهم من يقولون إنها عامل ساهم في وقوع الحادثة بنسبة بسيطة ومنهم من يلقي باللوم عليها بالكامل لأنها هي من استفزت الغرائز الطبيعية لدى ذلك المسكين ، وتعتمد تلك النسبة على عدد الخلايا العقلية السليمة لدى الشخص.

هي مذنبة ، هي متبرجة ، هي غير محجبة ، هي ساعدته ، هي استفزته ، هي تسببت بذلك لنفسها ، ولكن هل فعلت؟ هل يساهم المظهر الخارجي للمرأة حقاً في حادثة التحرش؟ بل هل تظن حقاً أن المتحرش قد نظر حتى إلى وجهها أو إلى ما كانت ترتديه؟ قلت للمتبرجة: "كنتِ متبرجة فأثرتِه" ، فماذا قلت للمنتقبة؟ "كنتِ امرأة"؟ وهل صرنا نعيش في مجتمع تحول فيه الزي الشرعي السليم من عفة وحياء والتزام إلى تقنية للحماية والدفاع ضد خطر انعدام الأمان؟ الحقيقة يا صديقي هي أن ثيابها لا دخل لها بالأمر ، بل والأدهى أن المتحرش لا يفكر حتى في اتجاه ثيابها وغرائزه على الإطلاق ، حتى لو ظن هو ذلك ، وذلك لإن التحرش الجنسي يعتبر جنسياً فقط بالنسبة لها ، أما بالنسبة له فالأمر أكثر تعقيداً من ثوب يثير وغريزة تلح.

إن المتحرش الجنسي طبقاً للدراسات هو إنسان يعاني خللاً يجعله يتصرف بعنف وعدوانية تجاه الآخرين ، وقد يكون ذاك الخلل عاطفياً أو أسرياً أو لأي سبب آخر ، ولكن هذا لا يعني أنه مريض نفسياً ، بل هو مدرك تماماً لما يفعله ، وحين يمتزج الخلل مع نقص في التربية الصحيحة وغياب للضمير ينتج شخص مريض ذو سلوكيات تتعمد الخروج عن تقاليد المجتمع والدين ، فيُشعره ذلك بالتفوق بشكل أو بآخر ، وقد يتعلق الأمر بغريزته عند ارتكابه للتحرش للمرة الأولى فقط ، ثم يختلف الأمر بالنسبة له.

تماماً كمن يتنمر على من هو أضعف منه ، أو يتلذذ بتعذيب الحيوان لمجرد القدرة على ذلك ، فإن المتحرش يجد في فعلته خرقاً للقواعد وتنفيساً عن ما بداخله ، بالإضافة إلى شعوره بلذة التفوق ومتعة أن يكون هو المسيطر يفعل ما يحلو له ، ولهذا فإن المتحرش لا يبحث فقط عن الإرضاء الجنسي خلف فعلته ، بل يبحث عن متعة رد فعل الضحية ، فكلما زاد تأذيها زادت متعته.

إذاً فالتحرش الجنسي ليس جنسياُ ، بل الجانب الجنسي منه ضئيل جداً في الواقع ، ربما يفسر هذا التحرش بمختلف أنواع الثياب ، حتى أكثرها احتشاماً ، ربما يفسر أيضاً التحرش بالأطفال ، بل وبالرجال أيضاً ، فلا تخبرني رجاء بأن طفلا في السابعة لم يكن محتشماً فاستفز غرائزه ، بل القدرة على ذلك ، واللذة التي يتلقاها ذاك المريض من وراء ذلك ، فسواءً أكانت محتشمة أم لا ، متبرجة أم منتقبة ، فقد أثبتت الدراسة الخاصة بتصميم خريطة التحرش أن 99.3% من النساء بمختلف الأعمار قد تعرضن لأحد أنواع التحرش ، وهو يبدأ من مجرد إمعان النظر ، مروراً بالكلام واللمس ، ووصولا إلى الاغتصاب، وطبقاً لدراسة قام بها المجلس القومي للمرأة فنسبة 75.7% منهن كن يرتدين ملابس محتشمة ولا يضعن مستحضرات التجميل. أترى الحقيقة الآن؟ أترى أنه رغم خطئها بإهمال الزي الشرعي ، فزيها لن يؤثر في خلية من خلايا عقل المتحرش التالفة.

إذاً فمن المُلام هنا؟ طرفان؟ بل ثلاثة. أنت ، وهو ، وهم. ولكن من هم؟ المجتمع الذي ينكر الفعلة ويلومها عليها ، الشاهد الذي يتظاهر بأنه لم يرى منعاً للمشاكل ، وكل أحمق يذكر كلمة "الستر" عند ذكر اسم الفاعل ، بل الفضيحة أولى به وهو أجدر بها ، فقد نزع الستر عن نفسه ، ثم نزعه الله عنه ، أتستره أنت الآن؟

العدل يُقام ، والمجرم يُعاقب ، والمذنب يُلام.

فلا تستغل ما وقع بها لتخبرها بأنك كنت محقاً وهي كانت مخطئة طوال الوقت ، لا تستغل واقعة التحرش كإثبات على قناعاتك حتى وإن كانت صحيحة ، فهو ضرب من الغباء كمن وقف وسط عزاء مدخن وقال لجثته: "لو أنك استمعت لي أيها الأحمق وأقلعت عن التدخين لكنت حياً الآن" رغم أنه مات بحادث سيارة. لومك للفتاة في هذه الحالة يعطيها شعور المذنبة ، فتخشى التحدث عن الأمر إن تعرضت له مجدداً لخوفها حكم المجتمع بأنها المخطئة.

فلتلمها قدر ما تشاء على إهمالها لثيابها الصحيحة ، إلا عند تعرضها للتحرش ، حينها لا يحق لك أن تفتح فمك لوماً لها ، حتى إن كنت لا تبيح الفعلة ، فلومك لها يشجعه ، لومك في غير وقته يعطيه فكرة أنها تستحق ذلك ، فينطلق في رحلة لتحقيق تلك الدفعة الممتعة من الدوبامين ، ثم يبرر ذلك بثيابها ، أنت تبرر ذلك بثيابها ، فاحذر مما تقول يا صديقي ، فلا أحد أكثر إجراماً من الفاعل ، سوى من يبرر الفعلة.